فتاة المقهى
|كانت تجلس في الركن الهادئ البعيد تقرأ روايتها دون أن تتفطن لنظراتي الملتهبة …
رفعت هاتفها فجأة … تبسمت … ثم أعادت الهاتف مكانه. ربما كان حبيبها…تفاءل تفاءل، ربما كانت صديقتها التي حادثتها حال دخولها المقهى. عادت وانغمست في روايتها كأنها إحدى شخصياتها، تبدو هادئة لا تكترث بما حولها كأنها في جزيرة معزولة. ترتب شالها بين الفينة و الأخرى، تداعب كتابها كأم تداعب طفلها، تأخذ الفنجان كأنما تلقي عليه السلام. تقوم بكل شئ بإتقان كأنها على خشبة مسرح …..لم تلق ولا نظرة خاطفة علي …ربما نسيت المصادفة التي جمعتنا سابقا… أأتعلل بالرواية وأفتح حديثا طويلا معها؟
ها قد شارفت على إنهاء قهوتها. ربما ستنصرف الآن. ألن تشفي القلب بنظرة خاطفة ؟ هيا تقدم لن تخسر شيئا … تحجج بالرواية وشاركها القهوة والطاولة وكلّ ما سيقودك إليه الكلام. سوّت ثيابها، أعادت الرواية إلى مكانها، محادثة قصيرة مع النادل وها هي تنصرف بهدوئها المعتاد ووقع خطواتها الواثقة يكاد يقتلني حتى استحال قلبي يردد قرع حذائها على الأرض ، كلما ابتعدت خفت نبضه حتى غابت خارج المقهى .قفزت مسرعا لا لألحقها بل لأجلس حيث كانت. طلبت من النادل أن لا يغير شيئا من الطاولة، فلتتركها كما هي ، فللأماكن حميمية خاصة مع الأشخاص .
ربما استطعت التواصل مع أشيائها … فنجان قهوتها الفارغ … أعقاب سجائرها وبقايا مناديل …
ولاعتها الصغيرة التي نسيتها … أخذتها بين يدي ورحت أقلبها كأنما أستفسرها عن إسم صاحبتها … عنوانها … عن ثقتها، تعاليها، هدوئها المستفز .
ـ عذرا لقد نسيتها …
صوت هادئ واثق وابتسامة مصطنعة ، أخذت الولاعة كأنما تنتزع جزءا مني وعاودت الرحيل …