الحرية بالصوت و الساعد
|تمتعت اليوم بأكثر ساعات التسوق إثارة..ولأنني عدت بقدرة قادر إلى البيت دونما أضرار مادية أو جسدية فانه لم يتبقى من الجولة عبر المحلات غير الانطباع الجيد و الحمد لله.
إذ بمجرد أن غادرت المترو في محطة الـ”جمهورية” استقبلني أحد” الباعة بالصوت و الساعد” كما أسميهم و هو يهتف في المارة أن:” هاي سلعة ال جيان يللي حرموكم..هاي سلعة الجيان يللي قهروكم”..ولم أتمالك نفسي عن الضحك قبالته و بالكاد أمسكت عن القول له:” لم لا تقول أيضا ” هاي سلعة مسروقة مالجيان يللي سرقوكم..هاي سلعة مسروقة مالجيان يللي قهروكم”..فذلك أفضل?”..
و تذكرت ساعتها حادثة وقعت معي في شهر فيفري المنصرم عندما بدأت ظاهرة البيع الموازي في التفجر وسط الشوارع و على الأرصفة و أمام المحطات..إذ صعدت بجانبي
في المترو امرأة خمسينية و جعلت تتحدث بانبهار عن السلع المغرية التي تباع في الشوارع بأبخس الأثمان و تفاخر بأنها ابتاعت العديد من قوارير العطر الفاخرة ومستحضرات التجميل التي تحمل ماركة “لوريال” و “غارنيي” و”ماكس مارا” الشهيرة..
ثم التفتت إليّ و سألتني إن كنت حزت على نصيبي من الغنيمة?فأجبتها أنني لا أقتني بضاعة يشتبه في كونها مسروقة..و ما هالني إلا أن المرأة أخذت في الصراخ بصوت لفت انتباه الركاب جميعا و جعلت توبخني على “غبائي” و”سذاجتي” و”سعيي وراء القيم” و”إضاعتي لفرصة لا تتكرر دائما للحصول على بشرة رائعة”?ههه…
تجولت اليوم عبر المحلات إذن و أنا أبحث لي عن موطأ قدم امن خشية أن أدهس ثوبا أو حذاء أو طقم ملابس داخلية أو طقم صحون وكؤوس كريستال أو أصطدم بمجموعة مزيل عرق أو أتعثر بأحمر شفاه..أو أسوأ من ذلك أن أتعثر بالبائع نفسه? (فعدم التعثر ببائع هو أحدث عاشر الوصايا في حفظ شرف القبيلة?لكن التحدي يزداد صعوبة كل يوم بتزايد هؤلاء”النصابة”..و يبدو أن الوصية ستخفف بحيث يعتبر الشرف سليما اذا لم يتجاوز عدد الباعة المتعثر بهم الاثنين?)..
دخلت محلا لبيع الأحذية و أخذت أقيس حذاء رياضيا لا أنوي شراءه..انتبهت إلى البائعة و قد تسمرت بجانبي و جعلت تراقبني. .فتصببت عرقا وأنا أفكر في طريقة للتخلص منها و من الحذاء ..اللعين?لقد بدا و كأنما صنع من أجلي.. و زاد عذابي عندما رأيت ابتسامة على وجه البائعة مفادها أن ” لن أتركك تغادرين إلا والحذاء بحوزتك”…
فكرت لوهلة أن أدعي الغياب عن الوعي? قد تفيدني بعض دقائق في” الاستيقاظ” من صدمة السعر المقترح? لكن وعيي اللعين أبى إلا أن يلازمني?
وفي مشهد لا يحصل عادة إلا في الأفلام المصرية ارتطم رجلان فجأة بواجهة المحل و تجمع الناس حولهما.. فهرعت البائعة تسأل ما الخبر..و بكل هدوء أعدت الحذاء “الفاجعة” إلى مكانه على الرف..وتقدمت نحو الباب..حينها فقط انتبهت إلى صوت العراك بالسكاكين في الخارج وسط صراخ الحاضرين?
كان ثمن الحذاء قد لقحني بمضاد للفجائع و الصدمات فمضيت أشق لي طريقا وسط الجموع ولا أحسب للسكاكين المشهورة حولي حسابا..
سألت فتى مارا بجانبي ما الأمر فأجابني ضاحكا أن معركة حامية الوطيس نشبت بين اثنين من الباعة وأن الرصيف الآن قد تحول إلى أنهار من الدم ?..لكن رفيقته قاطعته قائلة :”لا تبالغ? كل ما في الأمر أن الشرطة البلدية شنت حملة مداهمة مفاجئة فوقعت مشادات بينها و بين بعض الباعة? ثمة جرحى نعم لكن لم يمت أحد?”..
الحمد لله إذن..أن ما كل الجروح تقتل?و ما كل الأحذية تسبب الغيبوبة?و ما كل السكاكين تصيب?..
عدت إلى البيت و أنا أحمد الله على السلامة..و أسأل نفسي كم رصيفا أخر سيغتصب باسم العدالة الاجتماعية قبل أن تعود ”هيبة الدولة ”المنتظرة”..وكم شارعا سيختنق بالبضائع المسروقة و المشبوهة باسم طلب الرزق.. و كم سكينا سيرفع الأخ في وجه أخيه باسم الديمقراطية قبل أن تقام الانتخابات الموعودة..؟؟؟
و كم على هذا الوطن أن يقدم دما باسم الحرية على بلاط حرية موبوءة؟