ميثولوجيا الروايات إزاء القرآن الكريم

نتيجة لسيادة فكر أهل الحديث في الأمة الإسلامية التي امتزج فكر الإسلام الصافي لدى بعض طوائفها برواسب موروثاتها الثقافية القديمة، ونتيجة لتبني السلطة لفكر الإرجاء انتشرت في الأمة أفكار وخرافات أسطورية تتحدث عن أحداث ستقع قبل يوم القيامة، وأن تلك الأحداث هي من علامات الساعة، كنزول المسيح، وظهور الدجال والمهدي وغيرها، هذه الأفكار التي انتقلت إلينا من أصحاب الملل والنحل الوثنية أصابت كيان الأمة الإسلامية في مقتل، حيث قتلت فيها روح العمل والجهاد، فانقلب حال الأمة من العمل والجدّ والجهاد الإيحابي إلى حال الكسل والتواكل والإنتظار السلبي، كل ذلك اعتماداً على الروايات الأسطورية التي تزعم سيادة الكفر على الإيمان وانتصار الشرّ على الخير إلى آخر الزمان حيث ينزل المسيح ويظهر المهدي ليقاتلوا الدجال زعيم الشر و ابن الخطيئة.

هذا هو نفس الاستنتاج الذي توصّل اليه المحدّث عبد الفتّاح أبو غُدّة في تقديمه لكتاب “التصريح بما تواتر في نزول المسيح” لمحمد الكشميري قائلاً هناك فكرة شائعة لدى عدد من عوام المسلمين، وهي أنهم يتخذون من إخبار الرسول صلى الله عليه و سلم بهذه العلامات متكأً لهم في ترك العمل الجدّي إلى إعادة الحياة الإسلامية الصحيحة، وقد ربطوا بعلامات الساعة أمراً لا صلة له بها، وهو أن العمل الآن لا يجدي، لأنه لا بد أن يزداد الفساد، وينتشر الضلال، وتأتي الخوارق التي تتقدم الساعة، من ظهور المهدي ونزول عيسى (عليه السلام)، وحينئذ يعود الإسلام، وينتصر الدين، وينتشر الحق، ويقوى أهله، ويسود الحكم بالإسلام على وجهه، فلا جدوى الآن من مقاومة الباطل وأهله مهما حاول الإنسان المسلم.”

وهذه الخرافات الأسطورية التي تُعدّ في قاموس أهل الحديث من علامات الساعة التي يكفر منكرها، هي بلا ريب نقل نصي لخرافات وأساطير أهل الكتاب المدونة في كتبهم المقدسة “التوراة والإنجيل والتلمود”[1]، وسوف نبين  بسرعة و دون التوغل في التفاصيل[2]  بطلان هذه الروايات وتعارضها مع النصوص القطعية من كتاب الله سبحانه و تعالى، وتعارضها مع الحس والمنطق العقلي و الحقائق العلمية ، بالإضافة إلى توثيق مصادرها من الكتب الإسرائيلية المحرّفة!.

من أمثلة تلك الروايات الأسطورية ما نسب إلى النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث أنه قال في وصفه للدّجال: “إنه شاب قطط عينه طافئة، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، إنه خارج خلة بين الشام والعراق، فعاث يمينا وعاث شمالاً، يا عباد الله فأثبتوا. قلنا: يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، قلنا: يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا. اقدروا له قدره … فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا وأسبغه ضروعا وأمده خواصر … ويمر بالخربة فيقول لها أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف، فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه، فيقبل ويتهلل وجهه يضحك، فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين … فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتلهفبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم، فحرّز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه، حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة فيرسل الله طيراً كأعناق البخت، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله … ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طيبة فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة[3]

وإذا حاولنا قراءة هذه الرواية وفق المنهج السليم سنجدها مخالفة للكثير من ضوابط المنهج الإسلامي الصحيح المستوحى من النصوص المحكمة:

1- مخالفتها لمنهج القرآن الكريم حيث تتحدّث عن يوم القيامة وتصفه بدقة رقمية، وكأن النبي صلى الله عليه و سلم يعلم الفترة الزمنية التي ستكون فيها، بينما يخبرنا الله عز وجل في كتابه العزيز أن يوم القيامة سيأتي بغتة وأن النبي صلى الله عليه و سلم مثله مثل بقية البشر لا يعلم شيئاً عن الزمان الذي ستكون فيه، يقول تعالى}: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ{ الأعراف: 187.

2- هذه الروايات تعطي أرقاماً محددة عن أوقات تلك الفتن وأزمانها، ومن أمثلة ذلك أن الرسول صلى الله عليه و سلم حين سأل كم سيلبث الدجال في الأرض. قال: “أربعون يوماً[4]، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم“. بينما نجد أن القرآن الكريم لا يتعامل بنفس تلك الصورة الرقمية مع الأحداث التي يتنبأ بها، فالله تعالى حين بشر بنصر الدين لم يذكر الفترة الزمنية التي سيتم خلالها هذا النصر }هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ{ التوبة: 33، وحين ربطت البشارة القرآنية بالتحديد الزمني جاء النص القرآني مع دقة التعبير معبراً عن فترة زمنية مفتوحة، حيث يقول تعالى }:غُلِبَتِ الرُّومُ*فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ*فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ{الرّوم: 2-4.

3- هذه الروايات تتحدّث عن انقلاب في القوانين والسنن الكونية قبل يوم القيامة، فالرواية السابقة مثلاً تتحدث عن تغير طول اليوم من أربع وعشرون ساعة إلى أسبوع، وشهر، وسنة، وهذا الطول في مدة اليوم يستلزم تباطئاً في دوران الأرض حول محورها مما يؤدي بالضرورة إلى تجمّد الأرض، واختلال اتزانها، وانعدام الحياة فيها، ونفس الأمر يقال في الروايات التي رواها أبو هريرة وتدّعي طلوع الشمس من المغرب على أنها علامة من علامات الساعة[5]، وذلك يعني دوران الأرض في اتجاه معاكس لما هي عليه الآن، مما يستلزم تباطئ حركتها، ثم توقفها، وبعد ذلك بدء الحركة في الاتجاه المعاكس، وعملية التباطؤ وحدها كفيلة بإحداث انهيار كامل في مظاهر الحياة على سطح الأرض، فكيف بالتوقف، والحركة العكسية!. والظاهر أن مختلقي مثل هذه الأساطير كانوا يجهلون كروية الأرض، ويفترضون مفاجأة الشمس لهم بخروجها من المغرب، ولم يتفطنوا أن الشمس قبل أن تظهر لهم من المغرب يستلزم توقفها عن الإشراق على البشر في الجهة الأخرى من الكرة الأرضية!، هذا إذا افترضنا صمود الغلاف الجوي الارضي أمام هذا التغيير الفلكي الهائل. وهذه التغيرات الكونية المزعومة مخالفة لقوله سبحانه و  تعالى }سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا{ الفتح: 23.

4- تلك الروايات محدودة الجغرافيا حيث تتحدث عن الأقاليم المرتبطة بتاريخ بني إسرائيل، فهي تتحدث عن دمشق، والعراق، وبيت المقدس، وطور سيناء، والقسطنطينية، وكأن أحداث البشرية ستظل مرتبطة بالجغرافيا المشكلة للخلفية المعرفية لمحرّفي التوراة والإنجيل.

5- تتحدث الروايات عن أسلحة بدائية(السيف، الرمح، الحربة …)، وهي الأسلحة التي تشكّل الخلفية المعرفية العسكرية لعصر التدوين، وهذه الأسلحة تعتبر بدائية جداً أمام أبسط أسلحة هذا العصر، فكيف بالعصور القادمة!. وهذا يتناقض مع الدقة الرقمية للزمان والمكان والشخصيات لأحداث تلك الروايات الأسطورية.

6- تتحدث الروايات عن فتح القسطنطينية في آخر الزمان حين يظهر الدجال، وينزل المسيح، وقد أفرد مسلم في صحيحه باباً أسماه “باب في فتح قسطنطينية، وخروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم” جاء فيه من طريق أبي هريرة: “لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق، أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ … فيفتتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم، فيخرجون … فينزل عيسى بن مريم فأمهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته[6]

فتحت القسطنطينية عام 1453م على يد المسلمين، ولم يحدث شيء من تلك الأحداث الملحمية و من هذا السيناريو الميثولوجي المتسارع إلى الآن!.

7- تصف هذه الروايات موعد يوم القيامة وصفاً دقيقاً، وتعطي أرقاماً وتفاصيلاً كثيرة حول تلك الفترة، ولا يحتاج المرء الذي يعيش تلك الأحادث إلى كثير جهد لمعرفة أنه في لحظات الدنيا الأخرى قبل قيام الساعة!، وهذا مخالف لعنصر المفاجأة الذي جعله الله تعالى في يوم القيامة، فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً{محمد: 18


[1] اشتق مفهوم المسيح الدجال أو المسيح المضاد( L’Antichrist) من التقاليد اليهودية, وبالأخص من “سفر دانيال” في الكتاب المقدس العبري، والذي كتب في عام 167 ق.م. “Antichrist” هي الترجمة الإنكليزية للكلمة اليونانية الأصلية ἀντίχριστος .

[2] أردنا أن يكرن هذا المقال عاما ممهدا لما سيأتي بعده من مقالات تتناول بدقة و بحث مستفيض كل موضوع على حدى: الدجال،  دحض مقولة عودة عيسى عليه السلام، المهدي المنتظر، الخ.

[3] مسلم [7373] يكاد كل سطر في هذا الحديث يناقض القرآن الكريم في مواضع عدة سنأتيها بالتفصيل ان شاء الله في مناسبة أخرى.

[4] في حديث آخر في صحيح مسلم يمكث الدجال اللعين 40 سنة، سنتعرض بدقة كما اشرنا الى تناقض الأحاديث و تعارضها و تشاكسها في مقال خاص بهاته المسالة: العين المعيبة للدجال اليمنى أم اليسرى، قصة ابن صياد الغلام اليهودي الذي كان النبي يتلصص عليه لأنه يظنه هو الدجال، الخ.

[5] البخاري[ 4635]، مسلم [396]

[6] مسلم [7278]

Please follow and like us:
5 Comments

اترك رداً على خالد الدبابيإلغاء الرد

Verified by MonsterInsights