بداية يوم صعبة
|امتطيت الحافلة ككل صباح للذهاب إلى الجامعة و بدأت رحلة المعاناة مع الاكتظاظ و أخذ الحذر اللازم لتجنب أي عملية سطو من قبل مجهول على هاتفي الجوال أو خمسمائة مليم. أخذت مكانا حذو النافذة و كنت أراقب باهتمام ما يجري في الحافلة من نقاش وتبادل الكلام النابي بهدف المزح تارة والحوارات الساخنة بين قاطع التذاكر والركّاب تارة أخرى، والتي وإن كنت أجهل محتواها نظراً لكثرة الضجيج إلا أن الحركات والانفعالات كانت لوحدها تكفي لفهم النقاش الأبدي الذي دائماً ما يجري بين مقتطع التذاكر والراكب : اشكالية إثبات الوضعية القانونية للممتطي وما ينجر عنها من مسائل قانونية هامة كعبء الاثبات و وسائله… كان ما يجري في الحافلة من أحداث إلى جانب الديكور الجميل الذي كانت فتيات الحافلة يضفينه على الجو العام تشد اهتمامي أكثر مما كان يجري من وراء النافذة رغم التشابه التام في الأحداث والديكور بين المناخ الداخلي والمناخ الخارجي. قد يكون ذلك نتيجة مواكبة الأحداث من مكان الحدث مثلما تقوم به بعض الفضائيات التي تحقق نجاحها بمجرد المواكبة من مكان الحدث لا غير. رغم معرفتي للكثير من الأشخاص في الحافلة إلا أني كنت أتجنب مبادلتهم الحديث للبقاء في حالة هدوء نفسي فالساعة تشير إلى الثامنة صباحا والنهار ما يزال طويلاً للحديث عن حماقات الأصدقاء ومقابلات الكرة وغير ذلك مما يتبادله إعلام فضائح المشاهير . لم أكن وحدي في هذا المقهى المتحرك الذي يفضل السكوت والسكون فقد كان من بين المنتسبين لهذه “الإيديولوجيا” فتاة تلبس حجاباً وقفازين تعودت رؤيتها في الحافلة في هذا الوقت وكانت تنزل دائماً قبل محطة الكلية أين ينزل معظم الركاب. اليوم الحافلة مكتظة بشكل مهول و كانت تلك الفتاة تتقدم للنزول في المحطة التي تعودت النزول فيها. كانت تنادي على من يقف أمامها ليسمح لها بالمرور نحو باب النجاة. تردد نفس العبارات لكل شخص أمامها ” هل ستنزل؟” بغية مواصلة طريقها إلى أن اصطدمت بشاب طويل يضع سماعتين على أذنيه. سألته كما فعلت مع من كان قبله ولكن لا مجيب. كانت المهمة صعبة للغاية فالشاب منشغل في الاستماع للموسيقى الغربية أو الشعبية المحلية لا غيرهما مما يجعل بلوغ السؤال حاسة سمعه أمراً شبه مستحيل. ظهر الارتباك على تلك الفتاة المحجبة والسائق على وشك بلوغ المحطة التي تنزل فيها وكانت تحاول ايصال صوتها إلى الشاب عله يبتعد عن طريقها. المهمة تبدو مستحيلة هذا اليوم لتلك الفتاة فأمامها ثلاثة شبان أغبياء يعشقون الموسيقى. فتح الباب في المحطة التي تعودت تلك الفتاة النزول فيها ولم تلحق بركب النازلين. أغلق الباب .استسلمت والتزمت السكوت ربما كانت تعلم بأن الفتيان الذين أمامها سينزلون في المحطة القادمة محطة الكلية فقد كانوا يحملون محفظات. على أي حل ليس أمامها أي حل سوى انتظار لحظة الفرج. فتح باب الحافلة في محطة الكلية ونزلت. تفصلني بضع أمتار عن الجامعة في حين سوف تعود تلك الفتاة كيلومتراً إلى الوراء على رجليها لتبدأ يومها الجديد ليس بأفضل حال.
عندي سؤالين ثانيهما قد لا يتطلب جوابا : كيف استطاع الراوي أن يستشف الغباء في عشاق الموسيقى الثلاث ؟
ماذا لو استعملت الفتاة يدها (ذات القفاز) لتنبيه المسافرين أمامها لضرورة نزولها في المحطة المنشودة ؟