هي حياتنا…كذبتنا الكبيرة…(2)

أ هذا كل شيء ؟؟ أ هذه هي ما سميتها حياتي ؟؟ ألبوم صور ؟؟؟ وهم عظيم و حلم طويل و…ليل جميل أحيانا ..مرصع بالنجوم كأنه سقف حلمنا البسيط..و أحيانا كالح  تعيس الملامح كأنه نموذج رمس يذكرنا بمثوانا الأخير… أ هذا كل شيء ؟؟؟ أ يعقل أن اذهب أنا بدون رجعة؟؟ أيعقل ان أمحى نهائيا من الوجود ومن الذاكرة كأنني لم أكن يوما؟؟؟ .. أيمكن أن أغادر هكذا بصفة فجئية دون أن أترك أثرا واحدا للغياب؟ .. أو كلمة أخيرة لشخص أحببته طول حياتي؟؟ .. أو لشخص أحبني طول حياته أو لقريب كان لي الكثير لأخبره اياه لكن مشاغل الحياة لم تمنحنا فرصة من قبل أو قبلة اشتهتها نفسي من حبيب مثالي …. أيعقل أن أذهب هكذا دون ان أقبل جبين والدتي وأخبر أبي كم أحببته وكم سامحت تزمته في بعض الأحيان و كم غفرت عدم تسامحه مع أخطاء مراهقتي وكم تمنيت لو أسعده بأي طريقة وكم أردت أن يراني بين النجوم أميرة بفكري وبقولي وبإحساسي..هل يعقل ان أمضي هكذا دون ان أضم اختي الوحيدة الى صدري بقوة وعنف لتعلم أنها الحب الوحيد الصادق  في حياتي..والذي لم يخذلني يوما؟؟..هل يعقل أن اذهب هكذا دون ان أتصالح مع صديق عزيز فرقتنا الأيام بسبب أو بدون سبب..ودون أن أكتب رسالة او قصيدة أو حتى سطرا واحدا ألخص فيه حياتي أو أدون فيه بقايا أمنياتي أو أذكر فيه اجمل تجاربي وأسوءها و أروع من قابلت من الأصدقاء ..هل يعقل ان لا يترك لي الموت فرصة واحدة لأجهز حقائبي للرحيل الاخير …أ لا يترك لي فرصة لأرتب غرفتي وصوري و أمزق صورا تؤلم البعض ورسائل غرامية من أيام المعهد تحزن قلب رجلي الشرقي المخلص أو محو رسائل قصيرة اتتني من غرباء لا يمتون لي بصلة ..ألا يترك لي الموت  فرصة اخيرة  لأفعل أيا من هاته الأشياء؟؟؟..لكنه الموت…كل الأشياء تتساوى أمامه..فإن جهزت حقائبك و رتبت أفكارك وصورك أو لم ترتبي…فما نفع ذلك؟؟..ما تأثير ذلك؟؟ ما همك أنت بما ستتركين و بردة فعل الآخرين بعدك ؟؟ وهل سيحدث ذلك فرقا كأن يمنحك الموت فرصة اخرى للحياة مثلا ؟؟؟ هل سيغير ذلك من الحقيقة في شيء؟؟ الحقيقة هي أنك انتهيت وجوديا و لا  أ ثر لك يذكر ..فكل الاشياء تتساوى امام الموت …

إن أشد ما يحزنني في الموت هو أنني لن أرى مجددا ذلك القمر المكتمل الذي ينير ليل الفقراء الى الله مثلي..

و أنني لن أشتم رائحة الياسمين تسكر بعطرها ليالي الصيف..وأنني لن اتحدث مجددا مع البحر الممتد الى أقصى الحلم ولن أناجيه ولن أبثه مواجعي ..لن أعدو مجددا في طريق الجبل متحررة من هواجسي و  أحزاني ومشاكل الحياة..لن أحتفل مجددا مع الأحبة بعيد ميلادي و لن أنتظر بعد ذلك هدايا أو بطاقات معايدة أو موسيقى أو رقص أو سلال ازهار ..لن أرى مجددا  بيتي الجميل الذي ترعرعت فيه و تحمل شقاوة طفولتي وعناد مراهقتي و رصانة شبابي ..لن أرقص مجددا مع والدي رقصة الفرح عند إعلان نتائج الامتحانات و لن تختال امي أمامي في ثوب الجمال أيام الربيع  فيطبع مرآها على كل ثغر ابتسامة امل…كيف سأنفصل عن ذاتي بعد ان أنست بي وأنست بها ؟؟ بعد ان عملت على تطويرها و تطويعها وقتا طويلا ؟؟ كيف سأنفصل عنها فيودع جسدي الثرى و تضيع هي في الزحام ؟؟؟؟…

أيها الغني  المستبطىء للموت.. أتنقذك اموالك و كنوزك الزائفة الموهومة من هذا الألم؟؟؟…وأنت أيها الفقير البسيط الحلم.. أ تنقذك بساطتك و خضوعك من هذا المآل؟؟؟..و أنت .. أيها الفنان الشاعر الكاتب الملحن الموسيقي الرسام الحالم الملا- بشري الهوائي المائي الميتافيزيقي المشكوك في هويته وجنسيته …قلي بالله عليك أتنقذك قصائدك أو اغانيك أو رسوماتك أو مسرحياتك الأسطورية الخالدة من هذا المصير…؟؟؟ نحن نعلم اننا نؤلف و نغني للخلود ..ليبقى منا شيء ما بعد رحيلنا ..لنترك بصمة ما بعد الغياب..حتى نخفف من وطأة المهزلة…كذبة اخرى كبيرة نرغب جدا في تصديقها لنسهل ألمسالة…

أشياؤنا لا تعني شيئا بعدنا..ذاكرتنا وقلوبنا هي أهم ما نملك وهي الشاهد الأصدق على مسيرتنا الحياتية  و كلها تندثر كليا بالموت فماذا يبقى لدينا منا بعدنا ؟؟ اشياء مادية..منازل..سيارات …صور ..رسوم ..مؤلفات..هي لحظات تعثرنا بها في مشوارنا الدنيوي طال او قصر ولا يمكن أن تعكس من روحنا الشيء الكثير…

هو الموت إذن..الحقيقة الوحيدة التي لا نقاش فيها..و هي الحياة ..كذبتنا الكبيرة التي نصدقها عندما نشارف على النهاية..كم منا يستحق حياة اخرى ليصلح أخطاء.. أو ليتراجع عن بعض قرارات اتخذها في لحظات غضب أو لا وعي أو تسرع..أو ليصلح بعض الاختيارات المصيرية التي غيرت حياته برمتها …كم منا يستحق حياة يرتكب فيها أخطاء..وأخرى لا يرتكب فيها خطا واحدا ؟؟..  يبقى سؤال اخير …كيف ستكون موتتي ؟؟ اتكون غرقا ..أم حرقا..أم أثر حادث مريع أتناثر فيه أشلاء على قارعة الطريق؟؟…ليت الموت يرحمني و يأتيني في نومي وأنا ميتة الوعي والإحساس مسبقا ..ليته يخطفني من حلم جميل لا أستيقظ منه ابدا..ليته يسرقني من سرير دافئ يجمعني بمن أحب فتكون تلك الميتة الجميلة التي يتمناها الجميع..ليتني لا أموت يوم أحد فانا أكره الآحاد ..وأمقت ركودها و برودها و هدوءها المفجع المنبئ بصاعقة ما ..ليته يفاجئني في تمام زينتي وتعطري ليحملني عروسا بكرا تنير ظلمة القبر…ليته يسد عليّ منافذ الهواء بلطف و رفق و طيبة ..ليته يحجب عني القمر المكتمل و مرأى النجوم و رائحة التراب المبلل بالمطر و مشهد النصف الأعلى من الكون دون ايلامي ..دون ايذائي …و كيف سأكون في قبري؟؟ أ أكون جسدا فقط ؟؟ أم روحا مجردة ؟؟ وماذا لو وقع خطأ ما و لم تتأكد عائلتي كليا من وفاتي و اكتشفت فيما بعد أنني دفنت حية ؟؟؟ ماذا سأحس حينها وجدران القبر مطبقة على نفسي؟؟؟..كيف سأدفعها بكل ما في قلبي من عطش للحياة و  الحيطان مصنوعة من الحجر والأسمنت ؟؟..وماذا لو صرخت حينها ؟؟ فهل سيسمعني الاموات و يأتي احدهم لنجدتي؟؟ كيف سيكون لون وحدتي عندها  ؟؟ وهل من جسد منفصل عن الروح أو روح منفصلة عن الجسد أقتسم معها رحلة الموت …؟؟؟  يا إلهي ماهذا العذاب الأزلي….

لا أزال أواصل تفكيري الغبي الذي يفضح عجزي أنا البشري المنتفخ كفقاعة هواء…و ما نفع كل ما تقولين و أي تأثير له حين يداهمك الموت؟؟..الموت لا يعترف بزمان او مكان ولم يتعلم أساليب التعامل والاتيكات فهو ينقض على فريسته ما ان أحس بالجوع ..بغريزته يحيا و بأنفه يشتم رائحة الضحية و لا يخشى التخمة ..فهو يأكل كل الاطباق ولا يميز بين صغير وكبير ووليد و رضيع وكهل وشيخ وشاب لا يزال يرسم طريقا خياليا لأحلامه …هو الفيصل والحكم الاول والأخير والديكتاتور الكبير الذي لا يرشى ولا  تنفع معه شفاعة أو وساطة أو محاولة تذكر…ليس لك يا إنسان أن تختار شيئا ..لم يكن لك أن تختار ولادتك ..و لن يكون لك أن تختار موتك… ألم تفهم بعد أنك وهم و زيف و هباء كامل التكوين…؟؟؟

سأموت إذن..يوما ما..في مكان ما…ليس لي معلومات اضافية..لن أ تساءل مجددا مادام لن اجد جوابا لأي من أسئلتي البائسة التي تغرقني حتى أخمص القدمين في قلق وجودي مميت…سأكتفي بالقول ..فقط لأطمئن نفسي و حتى لا أفضح عجزي.. أنه ربما يكمن سحر الموت في كونه يسقط كالطامة و يلج البيوت دون استئذان..هكذا في عمق فرحتنا..في أوج انطلاقنا و غفلتنا…يأتيننا  ليسرق منا  أحبتنا و كل ما نملك ..سحره في كونه قانون يطبق على الجميع مع اختلاف اجرائي بسيط يتأسس على الأمكنة والأزمنة والطريقة الخ…

و عل سحر الحياة الحقيقي يتمثل في كونها لعبة جميلة.. نعيشها بسذاجة طفولية بريئة وبغفلة شديدة وفي كونها ايضا…

كذبة كبيرة نستمتع بها و نتماهى مع تفاصيلها و لا نبدأ في تصديقها.. إلا عندما تشرف على الانتهاء…

Please follow and like us:
3 Comments

اترك رد

Verified by MonsterInsights