الورد الحرام (2)

ٱكتب يا عدل الإشهاد… أنا فلانة بنت فلان… ٱعلن اليوم قبولي الزواج بفلان…

وتنظر الفتاة المغمورة بالسعادة والإثارة إلى الرجل الذئب القابع الى جانبها ويحرص هذا الأخير على اصطناع الابتسامة العريضة و يرمقها بنظرات وديعة ليحفزها على المضي قدما في إمضاء صك الشراكة..وهي…ببراءة الانثى المتشوقة إلى التغيير… إلى الخروج من سلطة الأب ونمطية الحياة العائلية..بلهفتها الى تكوين عائلة والإحساس بالاستقرار …تمضي الصك…

ٱكتب يا عدل الإشهاد.. أنا فلانة بنت فلان…بنت فلان…سأترك اليوم هذا الفلان اللذي هو أبي..الرجل الوحيد في حياتي اللذي لم أشك ولن أشك يوما في صدق مشاعره تجاهي…الرجل الوحيد الذي لو تركت العالم بأسره ولم أخلف ورائي سوى مرارة الغياب لما غبت يوما عن ذاكرته ..و لباع ما تبقى من سنوات عمره بأبخس الاثمان ليقتفي أثري…اليوم سأترك هذا الرجل الشهم اللذي شاهدني أنمو و أتغير مع الأيام حتى أصبحت اليوم إمرأة مكتملة الأنوثة والعقل ..إمرأة مسؤولة تعود إليها وحدها مهمة اختيار طريقها في الحياة..و اتخاذ القرارات ..

 فكان أول قرار اتخذته هو الابتعاد عن الرجل الوحيد اللذي لا مصلحة من وراء حبه لي سوى السعي لمزيد من الحبو والإرتماء في  أحضان رجل غريب عني..غريب عن ذاكرتي..عن تاريخي..غريب عن أفكاري ..عن طموحي وعن رغباتي.. رجل لا يعرف شيئا عن جنون  طفولتي و تمزقات مراهقتي و حكمة شبابي و عن مرضي و عن تعبي وعن  سهر الليالي …رجل غريب عن  دنياي..

ٱكتب يا عدل الإشهاد.. ٱكتب ولا تتردد..فأنت من يحرر لنا بطاقات الايداع تحريرا رقيقا يحيط به الهتاف والضجيج البشري المقيت الذي لا معنى له حتى لا تجرح مشاعرنا… ٱكتب.. أنا فلانة بنت فلان..سأترك اليوم المنزل الذي احتمل جنوني وتمردي وصراخي وجموحي ودموعي وعبث كل مراحل حياتي لأذهب الى منزل لا يعنيني لا توجد على حيطانه صور عائلية بسيطة كتلك التي أبدو فيها غاضبة بدون سبب أو أكون فيها مغمضة العينين ..دون سبب أيضا…سأذهب الى منزل لا رائحة فيه..لا أشم على حيطانه سوى رائحة  المسؤوليات و الالتزامات والواجبات الزوجية والتضحية في سبيل الجميع دون مقابل …

تبدأ المأساة بهاجس..بفكرة..بحلم بائس ..

ينتهي الصخب..ينتهي الضجيج..يعود الجميع الى بيوتهم..

كيف كانت ليلة زفافي؟    ..كانت  ليلة…لا أعرف كيف أصفها..بل لا يمكن ان أصفها..فلم تكن ليلتي قط …كنت قطعة من الأثاث في قاعة العرس..كالعرش السخيف المضحك اللذي نتصدره لنثير انتباه الحاضرين..كالعمود الكهربائي الذي يبكيني بضوء فاتر أمام القاعة..كنت كالمهرج ملطخة بالأصباغ والألوان..لأبدو مفعمة بالحياة..قالت احدى المزينات..وكأنها تعدني لاستقبال الموت بعد ذلك..كنت كالمهرج..و ما فائدة ذلك ما دام يعرفني الجميع بدون أصباغ وبدون مساحيق ..ترهات وحماقات .. ألا تعرف هذه المزينة الخرقاء أن إرضاء الناس غاية لا تدرك..فإن بدوت جميلة بهذه الألوان فسيتغامز الحاضرون و لسان حالهم يقول…انزعوا عنها المساحيق وسترون…و إن لم أبدو جميلة فلن يترددوا ايضا ليقولوا …ماذا فعلوا بها؟؟ المسكينة..لو تركت بدون مساحيق لبدت أجمل ..والله ما أحلاها على طبيعتها….سبحان الله يريدون تغيير خلقة الله بكل الطرق..أستغفر الله…استغفر الله…

كيف كانت ليلة زفافي؟؟ ..كنت أنظر الى الحاضرين ..وكانوا ينظرون إلي ..ببلاهة كنا نتبادل النظرات…بطريقة عجيبة..ربما بتعجب كانوا ينظرون..أو بتبسم.. أو بتشجيع.. أو باستلطاف .. أو…لا أعرف ..كنت أستغرب من جلوسي على مقعد عال، شبيه بالعرش…أ يغريني المجتمع على الزواج بمنافسة الإله ولو لساعات في عليائه قبل السقوط الأخير الى حضيض الحياة؟؟؟

كان الجو صاخبا جدا و القاعة غارقة في الضجيج والألوان ..كأننا في سباق الى الجنون..او سباق الى اللامعنى…باختصار كنت هناك..ولم أكن..

صرفنا الأموال الطائلة و قضينا الليالي نفكر في ليلة العرس وفي التحضيرات والزينة ..وشمس الصيف الحارقة  تجلدنا بلا رحمة.. كنا نركض لنكتري القاعة ولدعوة المندسين والرعاع اللذين لا غاية لهم من وراء الحضور سوى النقد و النميمة والافتراء…كنا نركض بلا هوادة حتى غصنا حتى أخمص القدمين في الديون والمشاكل المادية وبد أ الجميع يتدخل ليبدي ر أيه ..وفتح الملف الذي لا ينتهي ..”الثلاجة من واجب الزوجة”، تصرخ أم العريس..لن تتزوجها إلا اذا اشترت الثلاجة..ماذا تحسب نفسها؟؟؟.. أميرة زمانها؟؟؟ ..هل ستسلمها السلطة منذ الان حتى “تمشي كلمتها عليك” ؟؟؟ على جثتي هذا الحديث…

 كل الفتيات مدللات و ابنتي ست البنات.. جمال و عائلة وثقافة وأخلاق عالية ..ما الذي ينقصها حتى لا يشتري لها سيارة كصديقاتها .. أمن هنا نبدأ؟؟؟..يتقشف عليها قبل الزواج ؟؟ كيف سيعاملها اذا لو أنجبا بعد ذلك اطفالا ؟؟؟ على جثتي هذا الكلام…تصرخ أم الفتاة من الضفة الاخرى لوادي الماديات التي ألقينا فيه ما كان يجب أن يبقى و انصرفنا الى الوهم والسراب.. ألقينا الحب والحلم الجميل و أروع ما في الذاكرة…نسينا كل ذلك في خضم صراعنا لإرضاء المجتمع ….حتى لا نكون بنظره مجرمين أو متمردين أو صعاليك أو جراثيم رمانا القدر في طريقه النظيف السوي..

الزواج…هذا هو الزواج في حلته الأصلية الحقيقية…مؤسسة فاشلة… تبدأ بانتحار مادي وتنتهي بانتحار عاطفي و نفسي وعقلي و جسدي…مؤسسة فاشلة  تتكون من تقاليد سخيفة و ترهات بائسة لمجتمع يتعثر في الوحل…

مرت الأسابيع الأولى بسلام..بنوع من التحضير النفسي المحكم لرحلة عذاب لا أجل لنهايتها… كنا شخصين.. أنا وهو..كنت اتحمل مسؤولية نفسي و أفكر في طعامي و لباسي و حمامي ودروسي و أصدقائي وعائلتي و ألبس ما اعترضني من ملابس النوم حتى لو افتقرت الملابس احيانا لتناسق الألوان فلا ثاني لي سوى جسدي أسكن اليه و أرتاح معه .. أنام بالطريقة التي تعجبني و أختار آلاف الأوضاع في ليلة واحدة و أتمتع بذلك الاحساس بحرية التمرد على السرير والتداخل مع أطراف اللحاف..لا عائق لي  في عتمة الليل يشق عني الطريق ولا يد تمتد فجأة لتسرقني من أحلامي ولا صوت طائش يفزعني ولا حتى احتمال واحد لإمكانية مشاركتى رحلتي الليلية الهادئة مع مسافر ضال…

أصبحنا اليوم شخصين.. أصبحت افكر فينا…في طعامنا وملابسنا وحمامنا و عملنا و أقتني  ثياب النوم الجميلة لا المريحة حتى يخطفني شريكي الأزلي في رحلتي الليلية.. من أجمل أحلامي و من خيالاتي السارحة ومن أملي في اعادة استعادة حريتي التي سلبت بإرادتي…

في عمق الليل الجميل و هدوئه الممتد الى اخر الكينونة يسرق احلامي بهزة مفجعة و حركات طائشة مؤلمة فأتناثر شظايا بين الواقع والخيال و يتشتت فكري ولا أعرف ان كنت أحلم باني أغتصب أو أنني بالفعل… أغتصب …

جميل إحساس المشاركة هذا…منطق الشراكة غير العادلة بين زوج يعود ليجد سعادة البطن والروح والجسد حاضرة بين يديه..لا شيء ينغص عليه أيامه..زوج سعيد في حياته داخل المنزل وسعيد مع خيالاته و رغباته..خارج المنزل…و بين زوجة أصبحت تنسى عيد ميلادها  فأجندا ذاكرتها ازدحمت بتواريخ الاخرين الغريبين الذي دستهم الحياة في حياتها عنوة.. فقط لأنهم توابع الزوج..

 هذه الزوجة ستشتاق يوما لإحساس الأمومة…وليتها ما فعلت..

تبدأ المأساة بهاجس..بفكرة…بحلم بائس…

حل ضيوف جدد على حياتي..ضيوف يبدون رقيقين أبرياء في البداية …لكنها سرعان ما يصبحون كالدمل يلتصق بأجسادنا و يكبر معنا و يمتصنا روحا وجسدا و يتركنا أشباه أجساد و أشباه أرواح…هؤلاء الضيوف هم الأطفال..الأطفال زينة الدنيا ؟؟ أي دنيا ؟؟ وهل تبقى لنا بقدومهم دنيا ؟؟ أتسمون الحياة التي لا نفكر فيها إلا بالآخرين متناسين تمام النسيان حق أجسادنا وأرواحنا علينا دنيا ؟؟

 لم يعد لي من الوقت ما يكفي لأدافع عن انسانيتي ..للدفاع عن أنوثتي التي أصبحت تداس كل يوم بنعل من نعال الحراس اللذين نصبتهم بإرادتي على باب زنزانتي…انوثتي التي أراها تذبل كل يوم حتى استسلمت للشحوب الازلي..لم يعد لي من الوقت ما أتذكر به أنني كنت أحب الكتابة و الاستماع الى الشعر والرسم والعزف على البيانو والعدو  في طريق الجبل ..لم يعد لي من الوقت ما أتذكر به أنني أعيش من أجلي و أن هذه الحياة هي قبل كل شيء حياتي ..ملكي…قبل ان تكون ملك الاخرين…

اصبحت اعيش من أجل أربعة اشخاص و أفكر في طعام الجميع ولباس الجميع و دروسهم ودوائهم إن مرضوا و أعياد ميلادهم و اصدقائهم و أنا ؟؟… أنا لا أعدو ان أكون مطية يمرون من خلالها الى السعادة ..الى المستقبل..الى الاضواء..ولست أتذمر فهؤلاء هم أبنائي ..قطعة مني..لكني لم أعد قادرة على التوفيق بين جميع متطلبات الحياة وتناسيت نفسي نهائيا ..ما عاد لي أصدقاء.. أضعتهم جميعا في مفترق الحياة..و لم أعد انتظر عيد ميلادي كما في السابق أملا في أن يفاجئني أحدهم بوردة حمراء فارعة الطول تذكرني بنفسي..بل أصبح ذلك اليوم هو أتعس ايام حياتي أتمنى فقط لو يقع تجاوزه أو حذفه نهائيا من رزنامة الأيام..فقط لأن إحساسي فيه بأنني لم اعد أوجد يتضاعف ويشتد…و أحتمل رغم ذلك لأنني أعيش عواقب اختياري…لم يجبرني أحد على الدخول في هذه الدوامة المقيتة …وحدي شيدت أسوارها.. وحدي حبكت خيوطها ..و من جسدي خرجت مخلوقات عجيبة تستنزف كل طاقاتي و لا تترك لي أملا واحدا في الحياة..لم يعد لي أمل في استرجاع يوم واحد من أيام الإنطلاق والحرية والتفكير المطلق والامحدود واللامشروط في الذات …

أصابني كساد عاطفي وخمول جسدي مرة واحدة ولم أعد أهتم بشريكي الأبدي في رحلة الليل…فانصرف عني إلى غيري ..ولم أكن استغرب أو أتعجب..بل كنت أتوقع ذلك و أتفهمه…مثلي تماما.. أحس بأنه ضرب بأحلامه عرض الحياة وان الزواج ليس كما توقعه و أنه مثلي …رسم أحلاما وردية لحياة مثالية مفعمة بالحب و الوئام..وانه حاول و أراد ان يستمر ذلك الحلم ولكن…

كنت أنام الى جانبه أشتم رائحة أنثى غيري …و لم أتجرأ على ايقاظه ..بل كنت أنظر اليه بشفقة … أنا أيضا هرعت في المساء الى الة الكمبيوتر لأبحث في حساب الفايسبوك خاصتي على حبيب سابق  طوته السنوات..

تأملته بشفقة وهو نائم بجانبي بينما كانت الخيانة مدفونة بيننا كحشرة ..لم أعاتبه ولم أنبس ببنت شفة…قتل الروتين البائس والتفكير المستمر في الأمور المادية و أعباء الحياة اليومية كل ذرة عاطفة فينا….لم يكن لي أن أعاتبه على شيء لا يد له فيه…فكلانا ضحية مؤسسة فاشية فاشلة …

ٱكتب يا عدل الاشهاد… ٱكتب ولا تخشى شيئا فانا اليوم أعقل و أقوى و أكثر حكمة وحرية من أي وقت مضى….اكتب الان وهنا… تبا لكم و لمؤسستكم السجنية البغيضة التي من أجلها أترك العش الدافئ الذي فيه أنال ما أريد و بدون حساب لأدفن في زنزانة باردة حيث ينهشني الاخرون كما ينهش ا لأسد الجائع الغزال الغر الى اخر نفس..تبا لكم ولهذا المشروع المستبد الزاهق للفكر والخلق والإبداع المبتكر لروتين سام و طريقة موت على نار هادئة..

 سأرضى بحبي لأنه شرعي أمام الله فلا تهمني شرعيتكم الواهمة المزيفة في شيء

وسأرضى بالورد الحرام في علاقة أراها نقية متعالية على منطقكم الأجوف ونظرتكم السخيفة ..سأرضى بالورد الحرام فورد حرام أفضل من القتل الحلال..من الإثم الحلال.. أفضل من اللاشيء..سأحب مرآتي دائما طالما كنت عزباء.. و قولوا عني ما شئتم و تحدثوا كثيرا فأنتم مجتمع الثرثرة ولا شيء غير ذلك..

 …تبا لكم و لصك شراكتكم هذا الذي لا يتوحد فيه الشريكان إلا على السرير…

Please follow and like us:
8 Comments

اترك رد

Verified by MonsterInsights