الشّهيد الوحيد…

[et_pb_section admin_label=”section” fullwidth=”off” specialty=”on”][et_pb_column type=”3_4″ specialty_columns=”3″][et_pb_row_inner admin_label=”row_inner”][et_pb_column_inner type=”4_4″ saved_specialty_column_type=”3_4″][et_pb_text admin_label=”النص”]

بقلم: رميساء المرسني

 

أنا أطفو …

كصغير غَفا على كتف أمّه …

خفيف رغم القيود …

فكّوا أغلالي لأرقص …

فكّوا وثاقي لأجري … وراء نفسي وأبحث عنّي …

أنا أطفو على مياه أخف مني …

هذا الحمل يُثقلني يا صديق !

أنقذني من غرقي في جسدي …

حرّرني منه ومن صوت يتردّد على مسمعي منذ صغري…

هذه الأرض تشكو للفأس هواننا وشجرة اللوز لم تكبر …

مازالت فتيّة كعمري …

تشكو عتاة ريح لا تراها …

تستشعر قوّتها ولكن لا تراها …

تماما كربّ يوسف …

يوسف الجميل …

معشوق زُليخة …

و أنت يا عشقي ومرضي وشفائي المستحيل …

أما آن اللّقاء؟ …

نهرب وفي المذابح نلتقي …

تأخذك الحرب منّي إلى موتي …

والغريب أنني سأفرح إن بترت يدك أو ساقك…

و تركوها شاهدا في الوغى تتغذّى الحجارة من صمودها وتمتص الأزهار ما استطاعت من دمك…

و تصير حمراء كأفق سمائنا هذا المساء …

سأفرح لأنك ستعود إليّ بأخف الأضرار …

لا ! … لا تعد من الحرب سالما …

مت ميتة تليق بالقضيّة …

مت شريفا كأحلامنا …

مت وبموتك لن تُنسى …

 

سينعتني الشامتون بالأرملة…

دعهم لحقدهم ودعك لخلود اسمك يا أسدي …

وأنا… دعني لذكراك وألمي وفخري وفرحي المنقوص في الأعياد …

نحن ضحايا حروب لم نرتكبها …

كالفراشات … نحوم حول فانوس سيحرقنا …

ولكننا نبحث عن الدفء … مثلما نبحث عن الأوطان …

و أنا وطنك الذي لن يفتكه أحد …

و أنت تسكنني كأنفاسي …

 

دعك من دموعي واذهب …

ضع صورتي بالخمار الأسود في جيب مئزرك الأيسر …

هناك حيث قلبك …

ملاذ الرحمة الذي أهرع إليه دون تردّد …

سيرسم أطفالنا غدا صورك على جدران البيت بالطباشير …

سيمحوها الزمن وسيرسخها التاريخ …

سأخيط اسمك على كوفيتي وألبسها ليلا لأغتال أشواقي …

سأبتسم للسماء كالمجانين وألوّح لروح تصافحني اليوم على الورق مثلما قدّر لي وصافحتني يوما يدا بيد وجسدا بجسد …

سأكتب لك كثيرا …

رسائل لا تحتاج لساعي البريد …

ستصلك سريعا … كخفقة قلب …

سيسألني الكثير عنك …و لن أجيبهم …

سأكتفي بالإشارة إلى الأرض … وكأنك الشهيد الوحيد….

 

لن أحفر لك قبرا …

ما عاد بوسعنا أن نبحث عن بقعة رحيمة ونحن لا نرحم الأرض من ألم فؤوسنا…

سأدفنك بين ضلوعي … حيث وجعي … والوطن…

كم علي أن أكتب لأجد طريقي إليك …

“لم تبقى منه إلا البندقية “… تقول الجارة…

أستغرب وأبتسم في هدوء وأتساءل … ألا تراني؟ ألست أنا أنت وأنت كل الأنا ونحن واحد إن انعكست صورتنا على مرآة صادقة؟ …

أقبع في بيتنا ..

لا أرى شيئا سوى البندقيّة … ونافذة من الظلام…

أغرق في البياض…

يصل رذاذ المصباح خفيفا منعشا إلى روحي حتّى تبتلّ …

أتوضّأ وأسجد … أذكرك في دعائي…

لم أبسط يديّ كالعادة … أشبكهما محاولة تجسيد فكرة اليد الواحدة …

يد واحدة لا تصفق …  لكنها تكتب خطابا يستحق التصفيق …

 

يقترب السيف من عنقي …

و أرى طريقي إليك بوضوح يعمي بصري وينير بصيرتي إلى اليقين المنشود …

أخلع الشك عنّي وبقلب مطمئن أقترب …

أحمل بندقيتك وعالمي في صورة …

وأرحل هناك … حيث سأجمع دمك من رحيق أزهار امتصته …

أضعه في زجاجة شفافة مع دمي وأرميه في ميناء غزّة …

ستكون وصيّتنا … تطفو… كصغير غَفا على كتف أمّه … خفيف رغم القيود. …

martyr

[/et_pb_text][/et_pb_column_inner][/et_pb_row_inner][/et_pb_column][et_pb_column type=”1_4″][et_pb_sidebar admin_label=”Sidebar” orientation=”right” background_layout=”light” area=”sidebar-1″ remove_border=”off”] [/et_pb_sidebar][/et_pb_column][/et_pb_section]

Please follow and like us:

اترك رد

Verified by MonsterInsights