كابغراس
|بقلم: علاء الشيحي
مظهر السقف إثر نوم مضطرب هو أبشع ما يمكن أن تراه. حاولت هي أن تبعد نظرها عن ذلك المجال الذي لا يخلو من خيالات مرعبة تلوّح لها بمرح. أزالت عن جسدها الغطاء وأنزلت ساقيها باحثة عن نعلها القطني لكنها لم تجده. نزلت بجسمها تبحث عنه لكن لا أثر له. أثار غياب النعل في داخلها مشاعر الاحباط مجددا. الشؤم صار حليفها منذ يوم ما لا تذكر منه سوى مشاهد متقطعة وتمنت ان تنساها كما نسيت تاريخ ذلك اليوم.
*********
ظلام دامس يحيط بكل شيء لكنه يرى نفسه جيدا جسده يشع نورا لكنه عاجز عن إنارة المحيط المجاور. ماذا يحدث!! العمى؟؟ ربما لكنه لا يحن لبصيرته القديمة. ربما لكونه خائفا مما يحدث من حوله. فجاة أنير كل شيء. نور منكسر، متسارع ، يشعر بهواء رطب يلدغ وجهه. انتظر لحظة ما الذي يفعل بذلك المقود الذي يتشبث به ؟! انه يقود سيارة ما بسرعة جنونية. تسارعت دقات قلبه فجاة استعاد ادراكه المتذبذب. يجب عليه ان يدير هذا الموقف الغريب. لكن كيف سيفعل ذلك وهو لا يعرف شيئا عن القيادة. ولا عن هذا الطريق المظلم وباااف… قوة الاصطدام انتزعته من نومه. فتح عينيه يطالع المكان بشك .أراد ان يتاكد أن حالة العمى لا تعدو كونها حلما مزعجا وقد انتهى. غادر سريره بهدوء كي لا يحدث ضجة توقظ ابنته في الغرفة الاخرى. ربما تكون نائمة الآن. هو لا يعلم بالطبع. قد تكون غادرت البيت منذ أيام وهو لا يزال يعتقد انها تحبس نفسها داخل الغرفة، لكنه يسمع دائما حركتها من داخل الغرفة فيتأكد أنها لا تزال تقاسمه البيت.
*********
رن جرس الباب ، فتحه وظهر من خلفه كهل أسمر البشرة حاد الملامح يبدو زيه مضحكا لكنه لم يثر استغراب صاحب البيت ذلك ان الاخير يعرفه جيدا. أدخل يده في جيبه وسحب الورقة النقدية الوحيدة التي اعدها له مسبقا. سلمها له قبل ان يستلم منه صندوقا ورقيا صغيرا … ويغلق الباب.
*******
تطيل النظر الى مرآتها. تحب ذلك النشاط اليومي الذي أدمنته، ربما لحالة الخدر التي تشعر بها وهي تطالع ذلك البئر المحفور داخل مقلتيها. ظلت تتخيل لأيام انها تجتاز ظلماته نحو الاسفل لكنها تعجز دائما عن بلوغ قراره. تششششك !! يفتح الباب من خلفها وبرزت يده منعكسة على وجه مرآتها ثم رأت ذلك الصندوق الورقي المعهود ..و اغلق الباب.
أعد كل شيء حتى يبدا مناسكه اليومية. فبعد آن سلم الطعام لابنته فتح باب غرفة الاستحمام وجهزها بكل ما سيحتاجه في مناسك العذاب: آلة الموسيقى ، المطهر، القطن وتلك الاداة الحادة الصغيرة التي حملها في يد وفي الاخرى امسك بشمعتين. وضع كل شيء في مكانه وحول حوض الاستحمام ثبت الشمعتين بعد ان اشعلهما. في قعر الحوض ثبت دلوا صغيرا وقبل ان يبدأ، لم ينسى ان يغلق باب الغرفة .
********
فتحت أحد أدراج مكتبها كانت تبحث عن مشط لتسرح شعرها لكنها تفاجأت بوجود ورقة مطوية داخل الدرج سحبتها بحذر وراحت تطالع ما كتب فيها :
إنه شخص اخر. ليس هو بوالدك. إنه احد تلك الارواح الشريرة التي كان يحدثك عنها. يبدو أنهم تمكنوا منه عوضا عنك. سلبوا منه روحه واستعملوا جسده. انهم يعدون لشيء أبشع مما حدث في ذلك اليوم. هم يعرفون أنكِ الشاهد الوحيد على جريمتهم. انتِ الوحيدة التي شاهدت اعتدائهم على والدتك وقتلها. إياك ان تغادري الغرفة وإلا كان ذلك اشارة لهم على تمردك ولن يترددوا ابدا في القضاء عليك.
أعادت الورقة لموضعها واغلقت الدرج. لم يتحرك لها ساكن وهي تطالع تلك الرسالة المرعبة، ربما لسبب وحيد: كونها كتبت بخطها.
تقلصت ملامحه كثيرا وبدا أثر الارهاق جليا على وجهه. حاول أن يغلق عينيه لكنه لم يقاوم رغبته الشديدة في متابعة سيول الدماء المندفعة من يده. امتلأ الدلو حتى نصفه لكن يده الاخرى لم تتوقف عن إحداث تلك الخطوط الدامية في شقيقتها. يجب عليه أن يكمل مقدار التضحية كاملا: دلو ممتلئ حتى اخره كما اعتاد دائما. بدأ الخدر يسري في اطرافه حتى يده الناشطة في احداث الجروح توقفت عن عملها. جاء الدور بعدها على عقله. بدأ الدوار باجتياحه حتى استسلم وعرف أن التضحية لن تنتهي اليوم وربما لن تنتهي أبدا ثم فقد وعيه.