“ما كان ينبغي أن أفعل ذلك “
|بقلم: ختام حفيّظ
“ما كان ينبغي أن أفعل ذلك ”
أنا أعرف ذلك. زوجي كذلك يعرف. جدران المنزل والسقف والأرض. الأغاني المنبعثة من المذياع القديم. صوت المذيع يشتم الجميع ويمجد الجميع. قطط الجيران. الجرذان التي تغادر المجاري. كل ما يحيط بي يعلم أنه ما كان على أن أفعل ذلك.
أراقب الثقوب السوداء في الباب البني. بني كالشكلاطة. الشكلاطة كقلبي. قلبي يفيض ثقوبا. الثقوب تملأ الباب. الباب بني. بني كالشكلاطة.
دائرة مقفلة.
يداي ممحيتان
****
“ما كان ينبغي أن أفعل ذلك ”
أتسلق السور بصعوبة لأجلس. أنادي كلاب الحي المشردة. ألقي لها الخبز فتلتهمه بوجع. أقفز كأرنب بدين للثلاجة، أبحث عن لحم فما أعثر.
أفتح الباب لتندفع الكلاب السائبة، تبحث عن الطعام كما يفتش الأعوان عن المخدر بين ملابسي، كامل الوقت.
تلتهم الكلاب كل الخبر والمعكرونة الفاسدة. كانت نظراتها تنزف حزنا.
أمسك السكين بين يدي وأقطع إصبعي. ألقي به أرضا منتظرة من أصدقائي التصادم من أجل افتراسه. اقترب منه أحدهم. كان كلبا أسودا يحفر عينه جرح عميق. تشمم الإصبع ثم ابتعد صارخا. ركض كفأر جريح وكل الكلاب تتبعه.
عدت لوحدتي. فرغ منزلي من الحب. أنحني أرضا وألتهم إصبعي. بتلذذ. كان طعمه حامضا. كان طعمه عنبا فاسدا.
****
“ما كان ينبغي أن أفعل ذلك ”
يسألني زوجي عن إصبعي. لا أجد إجابة مقنعة. لم يكترث. كأنما اختفت أحد فساتيني. يلح علي الوسواس القهري. جدلية الأسود والأحمر. جدلية العدد الزوجي.
أقترب من آلة الخياطة، أزيل الثوب الأصفر، وأضع إصبعي. لم يوجعني ذلك. كان موجعا أن أفقد وجع الإحساس بالوجع !!
أراقب يدي فأشعر بالارتياح. صار مكان إصبعيّ الأوسطين فراغ. مناسب! لا شيء قد يعبّر عما أشعر به غير الفراغ.
ألقي بإصبعي داخل قدر اللحم.
التهم زوجي كل ما فيه مرددا أنه ألذ ما تذوق. الدماء تحيينا. أجل، أعرف ذلك. اللحم البشري مميز. طبعا جربت ذلك. خاصة إن كان نيئا.
فتح إصبعي لزوجي شهيته في ممارسة الجنس. لزوجي ابتسامة ملائكية عذبة وعينان خضراوان. ربما كان ذلك أبشع ما فيه.
****
“ما كان ينبغي أن أفعل ذلك ”
“أنا حامل.
مااااااه.
لااا.
ماهااااءه.
ما نحبش.
ما عينيش.
”
وضع يده البضة على انتفاخ بطني. ابتسم بغبطة. انحنى يقبل ابنه فتقيأت كل رفضي فوق شعره العسلي.
لا أريد الطفل. لست جاهزة. لا أرغب في أن أكون أما. أرجوك فلنجهضه !
كنت أموء بحزن بينما كان يقودني للموت، في السرير. وكالعادة، لم أشعر بشيء.
يغرق في النوم فأبتسم للسقف. لا رغبة لي في الطفل. لا أريده.
أنا لا أفهم المغزى من التكاثر. لا أستطيع أن أسمح لنفسي بأن أبيض طفلا، ألقي به في هذا العالم القاسي، كي يعاني. ما ذنب طفلي في اقترافي ذنب الزواج؟ ربما أكون سادية متوحشة لكنني لن أزج به في هذه المعركة.
أطبقت على بطني. تكورت بقوة. لا نوم. الأرق كالعادة يسكنني. يا ليل يا ليل حبيبي يا ليل.
****
“ما كان ينبغي أن أفعل ذلك ”
أنتم محقون. لقد أذنبت.
أدفع أمامي ثقل بطني. لطالما كنت حبلى. حبلى بالوجع، بالاختناق، بالفراغ.
أصعد الدرج ببطء. كل جسدي يوجعني. أرتكز على سكين ذبح عوض العصا. يتفتت رخام الدرج في طريقي الى السماء.
أبلغ السطح. أجاهد كي أبلغ حافة السور. أستوي جالسة. السكين في يدي. تلاعب باطني.
أرمق الشارع بتعب. قط حزين يموء جائعا. أطعن عيني. أسحبها من المحجر الدامي. ألقي بها للقط. صارت الرؤية أجمل.
الضباب…
الضباب…
صوت طفل باك يخترق سرابي.
أطعن فخذي. يقتلني انعدام الالم كعادتي. قال الرجل أن لحم الفخذ والعنق ألذ ما في الخروف. لطالما عافت نفسي اللحوم الحمراء الخشنة.
ألقي بلحمي للقطيط. ينقض عليه هر ضخم ويفتك كل القوت. ما رأيت المشهد لكنني تخيلته، ربما.
أحاول الوقوف فتخونني قدمي. أقعي على ركبتي. أنظر لبطني واضحك.
أغني بصوت قبيح :
|يللا تنام يللا تنام… لادبحلا طير الحمام|
سننام يا طفلي طويلا. دع الحمام طليقا، سأذبح لك أحد الجيران
|روح يا حمام لا تصدق بضحك ع حبيبي لينام|
انا لن أقتل يوما طيرا. لن أقتل أي حيوان. أعدك بذلك. أحضن بطني. أغمض عيني طفلي. صار العمى بصيرتنا.
أخطئ في كلمات الأغنية… لا يهم ذلك.
| روح يا حمام نط هلا لنطير كالمجانين|
الآن يا طفلي. سنطير مثل حمامة منفطرة الروح. حمامة ينكسر جناحاها اثر ان تقفز.
****
“ما كان ينبغي أن أفعل ذلك ”
الغيمة التائهة في السماء كانت تعرف ذلك. قطرات الدماء المنهمرة. طلاء الحائط المفتت.
و اختبار الحمل الذي انحبس داخله خط واحد. خط يتيم. خط وحيد. لطالما حرم من طفل يؤنسه.
رغم سوداويتها جميلة..