حوار بيننا

[et_pb_section admin_label=”section” fullwidth=”off” specialty=”on”][et_pb_column type=”3_4″ specialty_columns=”3″][et_pb_row_inner admin_label=”row_inner”][et_pb_column_inner type=”4_4″ saved_specialty_column_type=”3_4″][et_pb_text admin_label=”النص”]

بقلم: هبة المازني

– قليلا من القهوة من فضلك
– ملعقتا سكّر، أليس كذلك؟
– ســــــــادة
– ومنذ متى تشربها سادة؟
– منذ أن قصصت شعرك وتخلّصت من الخلخال
عن أي خلخال تتحدّث؟ ألم ننته من هذا الموضوع؟
– …
– تفضّل قهوتك المتصنّعة .. (تماما كمواقفك الزائفة)
-إنّها تشبهك.. أو فلنقل تشبهينها، سرقت لونها وإن دفنته الآن تحت المساحيق والعقاقير، رائحتها العربية الشّرقية التي تنخر في نفوسنا نخرا، وتلفّنا بنزعة ادمان تام لها، تحرّك غرائزنا المكبوتة توقظ فينا مشاعر النبل والحب العفيف.. يا الله كم تشبهينها، حتى طعمها، اللاذع المرّ، أي نعم هذا الطعم الذي أضفته حديثا إلى قائمة شهواتي ومتعتي المحرّمة.. اكتشفت أنني كنت أزيف صفحة القهوة بالسكّر، وأخفي عورتها بنقاب الحلاوة.. ثم تخيلت كم ستكون شهية وشهوانية لو رشفتها عارية.. طبيعية دون تشويه، دون إضافات.. فقط قهوة، فقط أنت كما أحببتك زمن الحنّة والسواك

– أتعتب علي لأنّي تحررت من قوقعتي وطفوت على السّطح؟ أتريدني ان أعيش بقية حياتي ملطّخة بالوحول في القاع؟ من حقي ان أرى النور وان اشق طريقي مثلك تماما، أم تحسب أن ذكورتك هي تذكرة العبور لدُنى الله الواسعة؟ وأن شاربك يصرّح لك بامساك القيثارة ومداعبتها امام القوم بدون حياء؟ .. غبي، انظر، انظر الى الشارع.. افتح الشباك، اترى؟ أناس سواسية، نساء ورجال، ولكنهم سواسية، الشارع لا يرفض أحدا فلماذا ترفض أنت؟ لم اخلق لأكبّل بخلخال ثقيل وأربط الى جانب الحماة والخالة والعمّة.. خلقت لأقصّ شعري وألوّنه.. لكنني لا أنكر وجه الشبه بيني وبين قهوتك، فعلا أشبهها بشدّة، هي تنبت خضراء يانعة، غضّة طرية سهلة الاتلاف، مثبّتة في التراب، وأي تثبيت..هههه، مثلها مثل الحبل السّرّي يربطها ووطنها الام، لتحيا، وتنمو. من ثمّة تكبر، وتنضج، وتسمّر.. يمر عليها فصل ففصل، تقسو وتشتدّ صلابة وحكمة، وتتحرر من حاجتها المرضية للأرض البور التي سجنتها طويلا، فتخلّصها الايدي الرحيمة من أغصان الشجرة اليابسة، وترى النور
-ولكن..
-لا تقاطعني.. ترى النور وترحل بعيدا، وهنا يا حبيبي نقف أمام المصطلح الذي أرهقني وأرهقك، وأما قهوتنا فتكمل رحلتها عبر البحار والأقطار، تتحرر، تتنفس، ولو كان مصيرها محض إرادتها لبقيت رحالة ابد الدهر، لكن المجتمع يختار لها عكس ذلك، تدعسها الأقدام الخشنة وتطحنها ثمّ تقدم سادة للباشاوات أمثالك، وأما الرحيل فهو قدر، ووأمر مفروغ منه، الرحيل سيدي هو أن تقرر في مرحلة ما ان تنسلخ من المكان والمادة، من الزمان الغابر، من الخيبات، من الفشل ومن اليأس، هو قرار حكيم نتخذه لو أشرفنا على حافة الانحطاط التي نصير فيها عبيدا للذكريات، للحنين، للعادات أو للروتين والرتابة، هنا حري بك أن تفخر بشجاعتي وأن تقرّ أن وجه الشبه بيني وبين المشروب الاسود يقتصر على ما قلته انا لا غير
– نرجسيّة.. متسرّعة الاحكام طائشة و وغبية.. أتظنين حقا أنك ثورة؟ شتان بين الفوضى والثورة يا غبيتي، التحرر أن تلتفي برائحة الماضي وأنت واقفة على اطلال المستقبل، تريدين الرحيل، ها قد رحلت، بعيدا، بعيدا عن شاربي و قيثارتي و كليتي، ولكنك ملتصقة بقلبي. غريب جدا، أنا الان أشبه الشارع، أقبلك في ظاهري وأفتح لك الأفق، وأنقدك بهمزي ولمزي ونظرات جانبي المظلم السّاخطة، أعرفتِ من أين أتى الجانب المظلم؟ من المكان الذي رحلتٍ عنه، هو لن يتخلى عنك كما فعلتِ، بل سيظل موجودا في كل حركة تقومين بها، وكل وجه تقابلينه و وكل زقاق تدوسه قدماك المشتاقتان للحنّة..
– غيرتك تخنقني..
– عنادك يخنقك، انا لست عدوّك، أنا حبيبك، أنا قطعة قماش ممزقة بينك وبينك.. أترين إلام قادتنا القهوة؟ أشتاق لشعرك الطويل، أشتاق لغيرتك من قيثارتي، ومن ذكورتي، أشتاق للعاصفة التي نشبت بيننا ذلك اليوم، أتذكرين أم أنك قطعت صلتك بالذكريات؟
-وكيف لي أن انسى، بالرغم من محاولتي من التملّص مما تحمله لي تلك الذكرى من حنين، لم اقو على محوها..
-أتعترفين بضعفك؟
-طبعا .. الانسان مجموعة من الاحاسيس أحدها الضعف، حين تتراجع انفعالاتنا وتختبئ مواقفنا خلف الجدار المعتم المسمى بالخوف،حين تتعارك عفويتي  مع وعيك، كبريائي مع سيادتك فتنجبان ورقة رتيبة تجسد علاقتنا و تترجم عظمتنا، ورقة نتركها خلفنا للأعراف والأحكام التي حرّمت الوهيتنا، ورقة اختزلت خطابا جارحا صارخا كننا سنلقيه أمام قتلتنا، ولكن جثثنا-كغيرها من الجثث- هربت من التراب إلى التراب، وغاصت بعيدا في صمت رهيب مكتفية بكلمات مسموجة تبرر جريمتنا لهيئة المحلّفين.. أي نعم أذكر يوم رحلنا من قريتنا، رحلنا من سجننا وتملّصنا من قيودنا، لكنك وددت لو تخلصت من السجن مادّة لا روحا، وددت لو بقيت أسيرة تلك القرية المظلمة ونحن ها هنا في بلاد الأنوار.. انانيتك…تقتلني
-أتريدين قهوة؟
-من فضلك
-وكيف تشربينها؟
-سكّر زيادة، كثير من السّكّر، بل نسكافيه.. أو كابوتشينو… نعم نعم كابوتشينو
– ههههه

[/et_pb_text][/et_pb_column_inner][/et_pb_row_inner][/et_pb_column][et_pb_column type=”1_4″][et_pb_sidebar admin_label=”Sidebar” orientation=”right” background_layout=”light” area=”sidebar-1″ remove_border=”off”] [/et_pb_sidebar][/et_pb_column][/et_pb_section]

Please follow and like us:

اترك رد

Verified by MonsterInsights