لماذا أكتب هذا المقال؟
|أكتب هذا المقال- وغيره – لأني أريد أن أصبح مشهورا.أريد أن يعرف كثير من الناس إسمي، الآن وحتى بعد أن أموت. أريد أن أُعرف كمثقّف كبير ومستقرئ بارع وملاحظ ممتاز. وأريد أن يُنظر لي على أنني أكثر ذكاءً وفطنة من أي شخص آخر.أجد متعة في تخيّل الناس يتخيّلونني أكثر ذكاءً، ربّما يوجد شيء من الغباء في هذا، ولكن هناك إحساس ممتع ترفقه ابتسامة ورؤيا عن الناس وهم يقرؤون لي ويتحدّثون عنّي بحماس، مثلما أفعل مع بعض أصدقائي عندما نقرأ لفريدريك نيتشه مثلا، رغم موته منذ ما يزيد عن القرن من الزمن.
قد يشقّ على قلمي وصف لذة تخيّل المستقبل..إنّها تشبه إلى حد كبير لذة الاستغراق في قصّة أو في مهمّة ما فتنسى مرور الوقت ولا تهتم إلى غير الاستمتاع بالتجربة. وأحلام المستقبل بالمثل أيضا تأخذ في نفسي محل القلق فلا أهتم فيها بالوقت.
هوى الشهرة هذا متعلّق بكثير من الأهواء الأخرى-الممتعة أيضا. هذا الصباح مثلا أخذني الخيال إلى برنامج تلفزي صباحي -مباشر-حول كتاب سأكتبه في المستقبل، حيث يسألني مقدّمه بعض أسئلته المملّة-الخطيرة. فأرفض أن أجيبه وأنهال عليه مسائلا: ” لماذا تطرح عليّ مثل هذه الأسئلة الغبية؟”..أحب أن أتخيّل نفسي منتقدا لاذعا لهؤلاء الصحافيين المغفّلين- وما أكثرهم- لتباكيهم واستجدائهم وطرقهم المعوجّة في استعجال الضيوف لقول أي شيء. أكره برامج الصباح- والمساء- والأخبار وكل المصابين بالهستيريا العاملين فيها. أكره كثيرا من الحمقى الذين أشاهدهم في التلفاز كل يوم وأحب كرهي لهم. بل أعشق كرهي لهم- لأني بفضله أقتنع أنه رغم أنني يمكن أن أكون سيّئا، فإني لست على نفس درجة غباء هؤلاء المغفّلين والتافهين. يالها من متعة أن تكون قادرا على توهّم الكره والحقد!…
أريد أن أصبح مشهورا.أستمتع بتخيّل نفسي على صواب وبأني أكثر قوّة من بقيّة الحمقى. أريد أن أثبت أني أفضل منك في الحديث في كثير من المواضيع المطروحة بأن أعلّمك كيف تفكّر فيها. إنها فرصة جيّدة لتحقيق سمعة طيّبة لي خاصة وأنها مواضيع تهمّ القاصي والداني.
أريد أيضا أن أكون إنسانا طيّبا. أريد أن أساعد الناس. فأنا أتخيّل نفسي منقذا-وأحيانا نبيّا. أزداد حماسة كلّما فكّرت في إنقاذك من الخراب الذي يتلف ذهنك..
أكتب هذا المقال لكي أسعد نفسي بنزواتها: الشهرة، الكره “الصالح”، التعالي، القوّة، وأن أكون منقذا. أتخيّل أني أريد أن أنقذ أي شخص.أريد أن أنقذ العالم كلّه. أحب أن أفكّر في نفسي كما لو أنني أساعد على إنقاذ العالم. وأظن أني حقيقةً أساعد على إنقاذ العالم. أعتقد أن التعبير عن الشعور بدل طمسه سيفتح إمكانية لإنقاذ العالم. كثيرا ما أستمتع بتخيّل نفسي قائدا مشجّعا للآخرين للتعبير عن أنفسهم وعن مكنونات ذواتهم، لقول الحقيقة وإسقاط الأقنعة.
أحب أن أتخيّل نفسي إنسانا صالحا لأني أجد نفسي على استعداد لجعل الناس يتّخذون من قول الحقيقة قاعدة لهم في حياتهم منذ البداية-قاعدة لإنقاذ العالم. أغلب الأنبياء كانوا أناسا صالحين رافضين- وكارهين لمساوئ مجتمعاتهم وقد عملوا على إنقاذ وهداية العالم. أريد أن أكون مثل الأنبياء.
أريد أن أحصّل المال من كتابة مثل هكذا مقالات. قد أجمعها يوما في كتاب وأعرضها للبيع مثلا. أدرك أن تجارة الكتب لا تدرّ ربحا اليوم ولكن لي أمل في أن تتحسّن غدا. وفي كل الأحوال فإن شهرتي الإلكترونية في حد ذاتها ستكون حافزا للكثير لزيارتي في عيادتي الطبية في المستقبل.أريد أن أصبح ثريّا حتى أسافر وأتصل بدور النشر العالمية وأؤلّف وأكتب المزيد والمزيد. لست في حاجة إلى هذا التحصيل الإضافي من المال، ولكن في نفسي شيئا من الطمع والجشع وأريد أن أحصّل أكثر مما يحصّله أغلب الناس.
أكتب هذا المقال أيضا لأتحدّث إلى أصدقاء رافقوني ورافقتهم، بعضهم أعرفه وبعضهم لا أعرفه. أحس بالرضا والنشوة والفخر لأني من هذه الطينة من الناس.
و أخيرا أكتب لأوضّح أفكاري الخاصة لأني أعتقد أن أفكاري مهمّة. عندما أكتب هذه المقالات- أو غيرها من الكتابات والأشعار- أحس أن لحياتي معنى وقيمة.
ما أخبرك به في هذا المقال صحيح- وغير صحيح أيضا. إنه كذب لا أكثر.محض بهتان وادّعاء وافتراء. أوهام وأحلام تجعلني أحسّ بأني على حال جيّد. أخبرك بأهوائي ورغباتي الدفينة – بعضها قد يجعلك تظن أني إنسان صالح، وبعضها الآخر قد يجعلك ترى فيّ إنسانا طالحا.و لكن جميعها متعمّدة حتى أجعلك تعتقد أني شخص استثنائي.
أغلب من مارسوا الكتابة- والفن عموما لهم المقدرة على الاحتفاظ لأنفسهم بأهوائهم وخيالاتهم الجامحة وبنزواتهم العميقة اعتمادا على وهم وحلم آخر- وهم لباقة الاحتفاظ لأنفسهم بأهوائهم. أغلب الكتاب والفنانين هم سجناء في أذهانهم.
شكرا