سنبني…أحلامنا (الجزء الثاني)
|الحلم الخامس | حلم..يتلألأ
الحلم…ثلاثة حروف تحمل الكثير من المعاني….ثلاثة حروف تنقلنا من واقع وألم إلى غاية وأمل..
أجلس في سيارة مسرعة.. مرهقة متعبة مثقلة بالأفكار والمشاعر.. أتكئ برأسي على ذراعي لأريحه قلبلاً وأطل من النافدة المفتوحة…يداعب الهواء شعري ووجهي وتتسارع وتتسابق المشاهد أمام عيني ولكنني لا أرى شيئاً…أرى أضواء المدينة تتلالأ أمام عيني..أرى أناساً ولا أراهم فعلاً..أسمع أشياء ولا أسمع…يضع أخي موسيقى هادئة أحبها فتلامس روحي وتداعب قلبي وأبتعد أكثر عن اللحظة والمكان..تستسلم جفوني للهواء كشراع سفينة هوى.فأغمض عيني..يبدأ شريط من الذكريات يمر سريعاً في مخيلتي..كفيلم متحرك رجوعاً…أضطرب قليلاً خوفاً من أن تفتح دفاتر ذكريات تعمدت إغلاقها لما فيها من ألم…أعود للوراء لأرى نفسي وأنا طفلة تطل من نافدة مشابهة ووالدي هو من يسوق..أتذكر نقاء الروح وصفاء الدهن وراحة البال…أتذكر الطمأنينة والأمان…أتذكر أحلاماً وأحلام…أحلام طفولة ومراهقة وبلوغ…أتذكر كم كانت الدنيا جميلة وبسيطة ومبهجة…تعترضني بعض كوابيس الماضي فألغيها بأن أفتح عيني على الواقع المحيط لأطمئن أنها قصص من ماضي قد انتهى…ثم أعوذ فأغمض عيني…رويداً رويداً أبدأ أشم رائحة البحر وجهتنا وضالتنا…شاطئ البحر…يبدأ صوت هدير البحر ومداعبة مياهه للشاطئ يطرب مسامعي ويدغدغ مشاعري كنغمات معزوفة رقيقة على لوح مفاتيح بيانو…أسمع تحاور البحر ورمال الشاطئ و أسمع همسهما وطربهما….أخلع حدائي لأسير نحو البحر كمن أراد احتضان حبيب غائب.. أجر خطواتي جراً رغم حنو رمال الشاطئ الناعمة…أقترب أكثر فأكثر وعيناي تحاولان استيعاب كل تفاصيل ما أرى..القمر يطل من بعيد يلقي التحية بأشعته المتكسرة على صفحة الماء…الأمواج المتتالية تتراقص فرحاً على وجهه وتحمل كل رسائل العشاق والأحباب الغائبين إلى رماله كرصيف ميناء للكلمات…أسرع لأرد التحية فأغمر قدميّ بالماء وألمس وجه الماء بيدي أهدهد عليه عله يتذكرني…تخونني قواي وتخور ثانية …فأعود لرمال الشاطئ وأجلس لتحتضنني هنيهة….الصمت هو سيد الكلام….لغة موسيقى البحر تختصر كل الكلمات وليست بحاجة لا لحروف ولا لسطور…يناديني البحر أن تعالي لا تخافي من الظلام…لا تهابي..تعالي. لأحضنك وأغمر روحك المتململة داخل هدا الجسد المتعب…تعالي أداوي لك جرحك بلحن الحياة المتجدد في أعماقي….تعالي أخرس صوت أنين الألم بلحن أمواج الأمل…تعالي لأغسل روحك مما علق بها من غبار الزمن…تذرف عيني دمعة تمكنت من الهرب فتفضح مابي… فيدرك البحر كل شيء ويفهم مدى عمق ألمي..لكنه لا يستسلم لتمنعي وعزوفي…ويبدأ يحاول تشتيت تفكيري بشد نظري للجمال المحيط بي بكل وداعة وحنو..بل ويداعبني ويضحكني بموجاته التي تقذف الماء لتبلل ملابسي…
الحلم السادس |رحلة على جناح عصفورة
خلته يوما عابرا كغيره.. يوم عابر.. يحمل ذكرى روتين عابر..
جلست قبيل الغروب بقليل.. يؤنسني صمت المساء.. أترشف قهوتي المسائية.. أشتاق إلى كل التفاصيل.. أنتظر.. فالسر الذي أكتمه قد أعلن الإنتظار.. أرقب الطيور حولي أن تطوف.. لأحلق على أجنحتها إلى نافذته..
حطت عصفورة على شرفتي.. سألتها أن إرحلي.. إرحلي إليه أخبريه بأحزاني الكتومة وأشجاني الظلومة.. اهرعي إلى حضن الطفولة واقرعي بابه وغردي صوتا يشبه بكائي.. أعيريني جناحيك أطر بهما أو خذي عيني وقلبي في سلة ترافقك إليه..
شدت لحنا جميلا أن افرشي بساط الأمل في غرفتك تأملي المساء دعي هذا الهواء يطفئ كل براكين قلبك يعيد إليك السكينة والصفاء وافترشي بساط الأمل من جديد وانفثي.. انفثي في الذاكرة ثلاث مرات..
ابتسمت.. واخترقت لحظة صمت حديثنا.. لحظة صمت تلتها رغبة عمياء أن أطير على أجنحة العصفورة.. حملتني بعيدا بعيدا.. في السماء.. حيث المطر.. حيث أنثر أوراقي في كل الأرجاء.. وأحتفل بالغيث.. وزخات المطر.. تواسيني.. تجرف فيض أحزاني…تنقيني… حيث انتهى الكابوس وابتدأ الحلم الجديد…!
الحلم السابع | المدينة الفاضلة
جميلة هي مدينتنا..فيها يتجمع العشاق..يتسامرون و يعزفون معا لحن الحياة..لحن سمعه كل سكان المدينة..ورقصوا له حبا..
جميلة هي مدينتنا..تفوح منها رائحة عطرة..رائحة المحبة الطفولية والعشق البريء..
جميلة هي مدينتنا..تعيش فيها لحظات من السكون و الصفاء..لحظات من العشق و النقاء..و مع حلول الليل..تخلد روحك الملائكية إلى النوم تحت ايقاع و رقص دراويش الصوفية المولوية..
جميلة هي مدينتنا..فيها تتعانق الأرواح الطيبة..تهجرها الشياطين و الأرواح الشريرة..وتتلاقى فيها سرائر الموتى حنينا لذكريات الماضي..
حافظي على جمالك يا مدينتي..واطردي من أبوابك..طيور الظلام أشباح العتمة..فهم يتربصون بك لقتل كل شيء جميل فيك..
سنواصل حلمنا..رغم الألم