نبش في السديم الأوّل
|“لا تسألاني سَفَرًا
فإنّني معتزل خوض الحروب الخاسره”
في الكأس، لمّا قلتها، ثمالة منّي
ألهّي النفس بارتشافها
حتّى طلوع الآخره
أجابني الصوتانْ
بصرخة المأكول منه كبدُهْ
بشهقة القاتل تنزف يدُهْ
” يا هاربا من قدر
نسجه من دمه
نسجك لا ينقضه الزمانْ
فاضرب لملتقى الغداة موعدا
وعد إلى السديم
ثمّ قف هناك
وانبش مولدا”
كسرت كأسي
أخذاني من يدي
عجنا معا على الديار الداثره
قد غُرِس الورد لذكراها هنا
سقيته دهرا ودهرا بعده
وعانق الشتاء سدرة
لم أر، عندما رحلت، طرف فرعها
فملّت الذكرى انتظارا مدمَنا
هناك، في المضمار، كانت للجواد ركضة أخيرة
من بعدها أغمض عينيه لطلقة
وخرّ موهنا
في مقعد اُهمِلَ في إحدى الزوايا
هاتف نادى:
“ألا اتّخذ مدادا من شرايينك واكتبني”
فكنت مذعنا
ثمّ رأيته…
رأيته هناك واقفا
لم يمح بسمة القرون الأربعه
لم يغسل البياض من ردائه
لم ينفض الغبار عن حذائه
ولم تزل عيونه مقنّعه
حين أتى، ما عدت أبصر السماء
هل حجبها الغمام عنّي؟ ربّما…
رفعت نحو وجهه مسدّسا مرتعشا
فأنذرت ضحكته أنّ البحار غائره
ناديت…ناديت…فهبّت السَّموم في فمي
باذرة ملحهما
صحت به: “لا تقترب”
ولفحت ظهري ثلوج هوّة سحيقة
مشى إليّ خطوة وكاد أن يكونني
أغمضت عينيّ وكانت صيحة واحدة
إذا أنا أتوه في جوف العمى
أين اختفت جثّته؟
وما لصدري يخضب الأرض دما؟
أبصرتهنّ بعدها
كنّ ثلاثا قد مُزجن كالأقانيم
يتكلّمن شموسا حاسره
أخذن منفيّا حواه جسدي
غسلن ما عُلُّق من أجنحة القطا عليه
كفنّه في مسودّة مفقودة
هي القصيد الأوّلْ
رتّلن من ترنيمة الميلاد شطرا
ونثرن الصمت في قرع الطبول
ثمّ ذبن في ثوب الظلام المسدلْ
تركن نتفة من النور لعينيّ
رأيتُني محلّقا ولا سماء تأويني
لقد سقطت السماء…
قد غادرت النجوم كلّ منزلْ
فكيف كانت الثريّا؟
لِمَ لم أعثر على قِطَعِها في الذاكره؟
إن عدتما، لن ترياني
فاجمعا أجزاء كأسي
واتبعا وقع خطاي العاثره