فتنة…وعدم أمان
|حدث أن مررت صباحاً بأحد الشوارع الرئيسية بحي التضامن بالطريق الرابطة بين قصر السعيد و المنيهلة.الشارع عادةً مزدحمٌ بالسيارات و الشاحنات و الحافلات و مارة لم يسعهم الرصيف. أعوان الحرس الوطني ينظمون حركة المرور و يضمنون الأمن في ثلاث مفترقات. المقاهي على جانب الطريق ملئ بروادها منذ الساعات الأولى من الصباح قبالتها باعة الغلال ومحطة الحافلات تعج بالراكبين . خلا الطريق صباحاً من كل هذا إلا من بعض سيارات أخطأ اصحابها الولوج مثلي، بعض المارة وبعض أكياس فضلات.
ما إن تقدمت قليلاً في الشارع حتى لحظت شظايا بلور مكسور على الإسفلت، أثار حرق لعلها لدواليب سيارات، فضلات ملقاة يمنة و يسرة ثم عائقاً يمنعني من التقدم أكثر وسيارة الشرطة ألمحها من بعيد. تساءلت إن كان يعقل أن يكون للأمر صلة بتهديدات السلفيين إثر معرض ربيع الفنون بقصر العبدلية وقصة اللوحات “المسيئة للإسلام”. توقفت برهةً لأنظر إلى حال المكان. حاولت أن أسأل أحد المارة عما حدث لكن الرجل لم يفهم قصدي، حتماً هو لا يتصور أنني أجهل أخر الأخبار. أشكره ثم أعود أدراجي. أتوقف أمام أحد أعوان الحرس الوطني كانوا قد وصلوا للتو لأسأله أي إتجاه اسلك لأصل إلى وجهتي. نعم، المشهد أنساني كل الطرق ! إحساس غريب تملكني في تلك اللحظات. هو إدراكي أن شيئاً رهيباً حدث في هذا المكان، ترجيحاً منذ ساعات، وأنه ربما يتكرر خلال ساعات، خلال دقائق… أو في الحال… و أن هذا كل ما أعلم. يصيبك هذا الإحساس بحالة من الذهول، يشل أفكارك، لا يمكن أن تعقل أي شيء غير أنك أمام هذا المشهد و أن هذا يحدث في تونس الأن، وتغلب هذه الفكرة على كل ما يمكن أن يعتمل بك أو يمر في ذهنك في ذاك الحين.
تتركني حالة الذهول تدريجياً وأكمل طريقي نحو أحد المقاهي للقاء بعض الصديقات اعتدت الاجتماع معهن للحديث و احتساء القهوة. تخبرنني بأنهن أمضين الليلة يتابعن أخبار العنف والحرق و الاعتداءات على شبكة التواصل الإجتماعي “فايسبوك”، وسيلة الإعلام الأكثر شيوعاً عند التونسيين، أدامها الله. تخبرني احداهن أنها هاتفت بعض أصدقائها المقيمين بالضاحية الشمالية للتثبت من بعض الأخبار. واصلنا الحديث لساعات، غير أنه لم يكن حديثاً في السياسة ولا حديثاً في الدين أو حتى في الفن. هو حديث عن شعور بعدم الأمان يلفنا بخيوطه منذ حين ولعله يكبلنا بعد برهة. أفهذا جزء من ثورة شعب أو هكذا تبدأ قصص خضوع الشعوب لحكامها؟ أي القصص نعيش؟