البحث عن الحداثة في القراءات المتعدّدة محور ملتقى “نحو فكر إسلامي بديل”
|نظمت جمعية تونس الفتاة ومؤسسة كونراد أديناور ملتقى فكريّا حمل عنوان “نحو فكر إسلامي بديل” وذلك يوم السبت 20 أفريل 2013 بنزل أفريكا بالعاصمة.
ويهدف هذا الملتقى إلى تأكيد الترابط بين نهضة المجتمعات العربية الإسلاميّة وتراثها الديني والتوعية بتعدّد الخطابات الدينيّة وعدم اقتصارها على النموذج الأصولي التقليدي والمساهمة في إرساء ثقافة تقبل التعدّدية الفكريّة إضافة إلى الانفتاح على قراءات تتجاوز حرفيّة النصّ وتؤسسّ لحداثة متصالحة مع هويّة المجتمع.
وبعد الاستماع إلى الكلمات الترحيبية الّتي ألقاها كلّ من حمزة عمر، رئيس جمعية تونس الفتاة، ود. هاردي أوستري، ممثّل مؤسسة كونراد أديناور بتونس، تمّ الاستماع إلى مداخلات الأساتذة المحاضرين ومناقشتها مطوّلا مع الحاضرين. وقد توزّعت المداخلات على ثلاث جلسات.
حملت الجلسة الأولى عنوان “قراءات مهمّشة” وقدّم خلالها الأستاذ توفيق بن عامر، الأستاذ بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس، مداخلة حول “المصلحة عند نجم الدين الطوفي” تلتها مداخلة الأستاذ محمد بن الطيب، الأستاذ بكلية الآداب والإنسانيات بمنوبة، حول “التصوف والبحث عن روح الدين”
وأدارت الجلسة الثانية الأستاذة نجلاء قارة مصلي. وتضمّنت مداخلتين.أولاهما للأستاذة إقبال الغربي، الأستاذة بجامعة الزيتونة، مداخلة حول “القراءة النسوية للنصوص الدينية”. أمّا الثانية، فكانت للأستاذ مصدّق الجليدي، الأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان، حول “الإسلام وفلسفة حقوق الإنسان”.
أمّا الجلسة الثالثة، فأدارها الأستاذ بلحسن النوري. وقدّم خلالها الأستاذ حميدة النيفر، الأستاذ بجامعة الزيتونة، عرضا للأسس الفكريّة لتيّار الإسلام التقدّمي. وتمّت في نهاية الملتقى تلاوة التقرير الختامي الّذي أعدّه الأستاذ خالد الدبّابي، الباحث بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس، وفيما يلي نصه:
جملة من المفارقات تشكّل العناصر الرّابطة بين مواضيع المداخلات.
كلّ مسلم و مسلمة يجد نفسه في تناقض غريب و مستمر. فهو من جهة كمؤمن يرى أنّ تشريعات الاسلام صالحة لكل زمان و مكان، قادرة على تقديم الأجوبة اللازمة لكلّ الإشكاليات والتساؤلات. ألم يقل الله عزّ و جلّ في كتابه العزيز ” مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ” (الأنعام : 38) ” وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ” (النحل:89) . لكنه من جهة أخرى يصطدم في حالات عديدة و متعددة بتصادم هذا التشريع مع حاجياته ومتطلباته أي مع مصلحته.
وهو ما تناوله بالطرح الأستاذ توفيق بن عامر في مداخلته المتعلقة بمفهوم المصلحة عند نجم الدين الطوفي. و قد بيّن الأستاذ بن عامر وجود أرضية فقهية سابقة مهدت لفكر الطوفي (من ذلك مثلا الفكر المعتزلي، قاعدة الضرورات تبيح المحظورات، مراعاة الفقه الاسلامي للمصلحة في حالة غياب النص الشرعي باعتماد التعليل بالقياس… ). وقد أشار المتدخل إلى أنّ نجم الدين الطوفي ينطلق من الحديث النبوي “لا ضرر و لا ضرار ” ليعتبر في شرحه له ” أنّ الضّرر والفساد منفيّ عن الشريعة وأنّ النصوص الشرعية دالة على اعتبار المصالح”. جاعلا بذلك من المصلحة أول الأدلة مقدما إياها على النصوص ظنية أو قطعية كانت. كما سطّر الأستاذ في مداخلته تطوّر آراء الطوفي من الاعتراف بالتعارض بين المصلحة والنص إلى مرحلة تقديم المصلحة على النص و الاجماع وصولا إلى تحرير المصلحة من الشروط و القيود التي كانت موجودة في المنظومة التقليدية. و بين المحاضر أنّ تقبل افكار الطوفي وأطروحاته من قبل الأوساط الفقهية و الرسمية لم يكن أمرا سهلا فقد اتهم الطوفي وبالتّشيع و أنّه قدّم ذريعة للحداثيين و مهّد لهم للتطاول على النص.ّ
تمزّق آخر يعيشه المسلم المعاصر يتأتى من ظاهرة التّدهور الأخلاقي والتّراجع القيمي الذي أصبح يميز المجتمعات الاسلامية حتى عند المتدينين والملتزمين. وقد عبّر عن هذه الظاهرة قديما، المصلح المجدد ومفتي الديار المصرية محمد عبده عندما قال بعد زيارته لأوروبا “أخلاقهم ديننا”.
أهمية المسألة الاخلاقية في الدين الاسلامي تحيلنا إلى المقاربة الصوفية لهاته المسألة. وهو ما ناقشه الأستاذ محمد بالطيب في مداخلته ” التصوف و البحث عن روح الدين “. وقد بيّن الأستاذ أنّ الفكر الصوفي يرتكز في هذا السياق على الحديث النبوي “إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق ” ليرّكز على قيم وأخلاق الزهد والتعفف والابتعاد عن الشهوات والاكثار من العبادة وذكر الله. فالفكر الصوفي أسس لفقه الباطن ويرى أنّ جوهر الدين أخلاقي بالأساس.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز “لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ” (الحديد: 25) فجوهر الدين هو الحكم بالقسط و العدل. لكن المتأمل للتاريخ الاسلامي يرى أنّ قيم العدل والحرية والمساواة لم تولى نفس هذه الأهمية القرآنية وهو ما يحيلنا إلى جدلية السلام و حقوق الانسان.
و هو ما طرحه الأستاذ مصدق الجليدي عندما بيّن ضرورة التخلص من العوائق التشريعية والثقافية والايبستمولوجية التي حالت طويلا دون قبول فكرة حقوق الانسان واعتبارها فكرة دخيلة على المنظومة الاسلامية.
كما دعا الأستاذ في نفس الوقت إلى بناء ابستمولوجي جديد يعيد للإنسان قيمته المركزية وإلى إعمال العقل من خلال قراءة مقاصدية للنصوص تمزج بين ما هو إنسي طبيعي و بين ما هو فقهي وتشريعي. فالنفاذ إلى مقاصد الدين وأهدافه هو الترجمة الفعلية و التكريس الحقيقي لمقولة ختم النبوة.
إنّ معالجة ثنائيّة الاسلام وحقوق الانسان لا يمكن ان تكتمل إلا بطرح منزلة المرأة ومكانتها في المنظومة الفقهية وهو ما اهتمت به الأستاذة إقبال الغربي في مداخلتها حول القراءة النسوية للنصوص الدينية. وقد انطلقت الأستاذة بالتعريف بالحركة النسوية الإسلامية التي ظهرت منذ أوائل التسعينات من القرن الماضي. و تنطلق هذه الحركة النسوية من إقامة معادلة تامة بين المنظومة الفقهية التقليدية من جهة و القراءة الذكورية التسلطية للنصوص الدينية. وبينت المتدخلة أن الحركة النسوية تدعو إلى اقامة مساواة أنطولوجية بين المرأة و الرجل، مساواة تجد أساسها في النصوص الدينية نفسها داعية في نفس الوقت إلى التخلص من النصوص المدسوسة و التي تكرس عكس ذلك.
.
تقرير L’économiste maghrébin عن الملتقى
http://www.leconomistemaghrebin.com/2013/04/24/droits-de-lhomme-et-islam-vers-une-lecture-moderne/
تقرير Baya.tn عن الملتقى
http://www.baya.tn/2013/04/23/vers-une-pensee-islamique-alternative/
تقرير La Presse عن الملتقى
http://www.lapresse.tn/22042013/66052/sortir-des-sentiers-battus%E2%80%A6.html
تقرير إذاعة موزاييك عن الملتقى
تقرير الإذاعة الوطنية عن الملتقى (نقلا عن وكالة تونس إفريقيا للأنباء)
تقرير “بناء نيوز” عن الملتقى
تقرير مؤسسة “مؤمنون بلا حدود” عن الملتقى
حوار مؤسسة “مؤمنون بلا حدود” مع الأستاذ توفيق بن عامر على هامش الملتقى