قراءة في كتاب “نقطة بداية…نقطة نهاية” للكاتب العراقي عباس العلي

[et_pb_section admin_label=”section” fullwidth=”off” specialty=”on”][et_pb_column type=”3_4″ specialty_columns=”3″][et_pb_row_inner admin_label=”row_inner”][et_pb_column_inner type=”4_4″ saved_specialty_column_type=”3_4″][et_pb_text admin_label=”النص”]

بقلم: حامد محضاوي

بين النقطة والنقطة نقطة…
لا شك أن التعبير عن ما يجيش في عقل الإنسان من أفكار ورؤى وأمال ليس المراد منه فقط أن نثبت للآخر أننا يمكننا أن نكتب أو نجعل من طريق الكتابة مدعاة للظهور والتبارز الفكري، بل يعتقد العلي جازما أن الكتابة كمشروع إنساني يمثل للإنسان وجها آخر من أساسيات الوظيفة الوجودية ومظهرا من مظاهر القدرة عن التعبير عن إنسانية المعرفة لأن الكتابة عموما تساهم بالقدر الأكبر في الترقي الإنساني حتى أكثر من العمل الميداني في رسم مستقبل الإنسان وتساهم بشكل جاد وحقيقي في معالجة إشكاليات الوجود على النحو الذي يجعل منها -أي الكتابة- المناط الوحيد والسبيل الأفضل لتعكس القدرة الفذة في تحقيق الوعي .
في سلسلة من المحاضرات والمقالات المتنوعة التي ترتبط جميعها في محور إشكالية الإنسان مع الوجود وعلاقة هذه الإشكالية بالفهم الشمولي الذي يتبناه الدين كما يزعم الكهنوت يظهر الإنسان هنا ضحية وجلاد نفسه، فهو لا يعرف تماما ماذا يريد منه الدين وماذا يأخذ من الدين. هل المطلوب منه أن يكون مؤمنا وكفى أم عليه واجب وحق التشكيك حتى بوجود الدين، من هذا المحور أيضا عليه أن يفرق بين الإيمان بالدين ومن بعد ذلك الإيمان برب الدين وبين أن يكون بالضرورة متدينا كي يكون مؤمنا حقيقيا، سؤال أخر نطرحه هل هناك علاقة ضرورية بين الإيمان بالله وبالغيب وبالرسل وبين شروط التدين وممارسة الطقوس؟
بعد مبحث أوّلي تناول كلّ هذه المسائل، انتهى الكاتب إلى أنّ كينونة الدين هنا ما هي إلا واحدة من تلك الخبرات المعرفية التي أعطت أمثلة كثيرة وحقيقية على مر تاريخ الإنسانية، أنه أي الدين يمكنه وبتجرد من اللواحق أن يكون حاضرا في تدوير الزوايا وبسط القدرة العقلية المسنودة بالفهم الثري لمعنى أن تكون قادرا على أن تقود الحياة بشكل سليم، وتتصرف كعنصر إيجابي يرفد الجوانب المضيئة من حياة الناس بالقيم المثالية وبفهمه لمسألة الحق والخير، وبالتالي لا غنى في كل مواجهة يخوضها الإنسان من العودة للقيم الجميلة المتوافقة مع طبيعة الحياة التي بها ينتصر الإنسان على ذاته أولا وعلى الواقع الزائف، نجد الدين هنا المعلم الأكبر الذي يرفد العقل والذاكرة بتلك القيم والمعاني .
مرورا بالكثير من الأسئلة التي يتجنب الخوض فيها الإسلاميون وبالخصوص دعاة الكهنة أو يرددون مقولات لا تثير أي قيمة منفعية للعقل البشري بقدر ما تثير أسئلة نوعية تتراكم فوق بعضها لتتحول إلى ما يشبه القنبلة التي تنتظر لحظة الإنفجار في وجه من يظن أنه يملك الحقيقة وحده ومن دون الناس، أسئلة من طراز من قسم العالم البشري اليوم الى مؤمنين وكفار، مخالف وموالف، أي معيارية يمتلكها المتدينون ليقسموا العالم إلى نصفين أبيض وأسود، من يملك الحق حقيقة ليصنف الناس أشتاتا قسم مؤمن مطمئن وقسم خائف يترقب، الخوف ممن من رب رحيم أم من جبار طاغ يريد أن ينتقم ممن خلق على كل صغيرة وكبيرة.
أسئلة أخرى لا تقل خطورة عن هذه المجموعة التي ما فتئ الإنسان يثيرها بين الحين دون أن يجد مخرجا ولم يجد جوابا كاملا وكافيا عن قضايا في حقيقة المخلص هل هو بشر أم حال، متى وكيف ولماذا ننتظر المخلص وهل أن الإنسان مع هذه التجربة عاجز أن يجد لنفسه الخلاص من إثمه وخطاياه، إن لم يكن الدين هو المنقذ فمن ينفذ الدين من خطيئة الإنسان، سؤال أخر يتردد بصوت خافت أحيانا لماذا نظلم الدين ونظلم رب الدين وهو الذي حرم علينا الظلم وبالذات الظلم الأعظم ظلم النفس لذاتها، هل التاريخ هو من ظلم الدين أم التاريخ قد سجل لنا ظلم الإنسان مقارنة بما يؤمن به ويتدين، أسئلة تتبعها أسئلة في جوهرها قضية أن نكون الأحسن والأكمل ولكن ما هو الطريق.
في مبحث التصحيح وقع تناول قضية في غاية الأهمية بالنسبة للإنسان وقع التركيز فيها على إن منهج التصحيح لا بد أن يسلك ذات الطريق الإيماني الأول وهو الحوار والجدال بالحسنى وأعتماد الحقائق الجامعة والاعتزاز بالهدف وتقديمة على أنه جزء من فهمنا للدين وهو موضوع دعوى التوحيد، عندما يكون منارنا الرب الواحد والدين الواحد والمنهج الموحد والنتيجة الواحدة التي نسعى لها، لا يعود مقبولا أن نتفرق إلى عناوين متعددة بناء على قواعد واحدة، فأما أن تكون القواعد هي من تحمل أساسيات التفريق وهذا ما لم يقل به أحد أو أن نتاج قراءتنا لتلك الأسس باعتباطية فكرية ذاتية هي التي تحرف الطريق وتتجه بنا نحو طرق متعددة وتفرق بنا السبل .
هذه القراءة هي المسؤولة عن التشظي التاريخي للمجتمع الإسلامي وتقسيمه إلى طوائف وأحزاب وملل وحتى أن البعض يصرح علنا عن مفهوم الدين الشيعي والدين السني عندما يرفض كلا منهم ما يعتقده الاخر ويعتبر أجنبيا عن دينه. إن الحقيقة المرة التي لا يجرؤ أحد أن يجهر بها أن لا الشيعة ولا السنة ولا غيرهم من الطوائف والمذاهب تمثل جزء من الإسلام الرسالي أو بعضه أو صورة منه، إنما هي مذاهب منفصلة عن واقع إسلام الفكر الذي ساد المجتمع الإسلامي ،بل هي في الحقيقة مفاهيم دخيلة ومصطنعة تكرست نتيجة صراع لاحق وأخذت بعدا مذهبيا سياسيا متميزا عن غيره نتيجة تراكمات خطيئة انقلاب الشام الأول وما دعمه وبرر له، وتجديرا للمدرسة الأخرى التي ترى حق أي فرد يمتلك القوة والقدرة أن يخرج بالسيف لينتزع القيادة الدنيوية، شرط أن يكون مسلما بظاهر الحال حتى لو كان فاسقا فاجرا ، هذا الذي مهّد لكل هذا الصراع الدامي بين المسلمين وأطاح بفكرة النسبة والتناسب بين الحاكمية والشرعية الإسلامية .
في مبحث أخر قام الكاتب بالإهتمام بقضية مستحدثة جاءت بعد سلسلة من الأفتراضات التي تقوم على فكرة غياب صورة من تاريخ المجتمعات بأختلاف التسميات والمسميات، مرة بالقول أن آدم الذكر والأنثى مجرد أسطورة تبريرية جاءت بها الأديان الإبراهيمية لتقنعنا أننا جنس أخر منفصل عن ذلك الإنسان البدائي الذي سكن الأرض من ملايين السنين، ثم تطور إلى إنكار الطوفان وقصة نوح وإبراهيم وموسى وحتى نكران حادثة وجود السيد المسيح لنصل في النهاية الى التاريخ القريب حيث ينكر البعض وجود النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم ويعتبره جزءا من تاريخ الشعوب الغارقة في ساديتها والتي تبحث عن رمز تتعلق به، حتى القرآن الكريم الذي يعتبره بعض دارسي ومروجي مدرسة الشك التاريخي إنه يمثل أرضية صلبة لا يمكن تخطيها لما تمثله من قيمة نصية موحدة وثابتة أصبح هناك مجال للشك في بنائها التاريخي من خلال الطعن باختلاق التعارض بين بعض الأحداث والتفسيرات التي يطلقها بعض الشراح المسلمين أو من قراءات المستشرقين للنصوص. “إذا ما كان القُرْآنُ مصدرنا الرئيس، فإنَّ الإشكالية التّالية هي التحقق كم ثابتة هي الأرضيّة الّتي يوفرها لقد كان من المعتقد بأنّنا هنا في مأمن على الأقل ،بيد أنَّ الأعمال المتأخرة مثل أعمال كازانوفا و مينانا ،جعلت معتمديّة هذا المصدر محل شكٍ ، لكنْ هذه مسألة كبيرة للغاية من أجل تناولها في الوقت الرّاهن”.
ليس هذا البحث عارضا عن منهج الكتاب والمقالات والبحوث ولكن يصب في مجرى واحد هو أن الدين بشكل عام والإسلام بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001 يتعرض إلى حملة منظمة ساهمت الخلافات الإسلامية- الإسلامية والتنوع والتفرق في الإيمان بواقع أفرز مثلا التشيع الصفوي كما يحب أن يطرحه البعض مقابل التسنن العربي وأستخدام مفاهيم جديدة مثل أنسنة الدين وضبط حركته داخل المجتمعات بأعتباره ثور جامح يكاد يقضي على الحضارة والمدنية المعاصرة، دون أن يقدم أحد منهم البديل المقبول والمعقول الذي يخرج الإنسان من عزلته ويقوده إلى رحاب العالم ككائن خال من العقد التاريخية وفي معصومية من الظلم والقهر والإستلاب، كي يعود لله أو نعود جميعا إلى مركزية ضابطة قادرة على فرض المساواة والعدل بين الناس.
في الأجزاء الثلاثة الأخيرة وهي من مبتكرات العقل في لحظات الصفاء والتي تبلورت في قضية حدود الإنسان وأبعاده من الداخل والخارج بعد أن قال العلم والمعرفة مقولته في البعد الرابع كمصطلح فلسفي، هنا سعى الكاتب إلى التأكيد على أن الوجود والإنسان والتكوين يخضع لخمسة أبعاد تعتبر قاعدة حتى في أبسط الأشياء الوجودية، حتى في الرياضيات ليس هناك الناقص واحد (-1) والصفر والزائد واحد (+1)، بل هناك ما قبل الناقص واحد والناقص واحد والصفر والزائد واحد وما بعد الزائد واحد، في سلسلة متوالية و قد قام عباس العلي بإثباته هذا الأفتراض نظريا في مبحث خاص، ثم عرج ما قبل الأخير على مفهوم ثورة المؤمنين تلك الحلم الذي يراود الإنسان السوي المسالم الذي يقود ثورة الياسمين والحرير ضد جبروت الإنسان وطغيان الأنا الكهنوتية بعيدا عن العنف والإملاء، ثورة تشابه رحلة السيد المسيح وبأخلاق ابي ذر وشجاعة إبراهيم الخليل.
ثورة المؤمنين التي نريد لها أن تكون ثورة حريرية ناعمة هادئة إنسانية لكنها في ذات الوقت تغييرية تفكك كل الروابط والشبكات التي تربط الإنسان بالثوابت التي لم تعد تتحرك إلى أمام وتجر به نحو التخلف في الفهم في الحركة في التعاطي مع الزمن في التعاطي مع العقل على أنه مشروع حركة أصلا وليس شاهد ثبات وتقوقع داخل الإنسان، ثورة المؤمنين تعني أننا يجب أن نرحل مع مشروع الله حيثما تتواجد معطيات الخير والنفع والمصلحة الشمولية في الإصلاح والإعمار والتعارف.
أما خاتمة الكتاب فكانت بحثا عن الأحياء والأموات. تلك الجدلية التي كثيرا ما ترددت في القرآن لتشرح لنا نظرية الله في الإنسان حين يكون حيا وميتا في آن واحد. يخطئ من يظن أن الحياة في المفهوم القرآني تعني أن تكون فسيولوجيا تقوم بالوظائف الطبيعية الأعتيادية لكل كائن حي، بل الله يربط الحياة بالعقل والجود بالعمل وغير ذلك يسميه موتا حيويا لا فائدة من الإنسان إذا دخل دائرة المسمى هذا في سبق تأريخي لنظرية المعرفة قبل أن يتبناها فلاسفة ومفكري أوربا حين سطروا نظرياتهم ومنها مقولة أنا افكر إذا انا موجود، القرآن صرح بمقولة أعمق في تصورها للمعرفة والوجود حين قال أنا أفكر إذا انا حي، والفرق كبير بين كائن موجود وكائن حي.
في كل هذه المحاولات لم يعتد صاحب الكتاب على حدود الله لأنها أصلا عابرة لحدود العقل البشري و لم يعتبرها موضوعا للبحث، لن ولم يقترب مثلا من ذاتية القوة المطلقة ولا صورة الخالق وتصوراته عن ذاته ولا حدود ما في عالم جبروته وقوته، لكن سار مسترشدا بما أراد بالنص أو بالتلميح للزوايا والمواضيع التي من الممكن أن نصل لها مع أحترامنا للمطلق الرباني، هذه البحوث ليست كل ما يجب الوصول له بل محاولة أولية لوضع أشارات خاصة للمديات التي وصلنا لها وبالتالي تصبح للأخر مشروع كتابة ومشروع بحث مستقبلي طالما أنه نجح أن يعبر بعقله حقول الألغام التي زرعها البعض ممن لا يعجبه مشروع تحرير العقل من الخوف ومن القداسة الزائفة.

elalinoqta

[/et_pb_text][/et_pb_column_inner][/et_pb_row_inner][/et_pb_column][et_pb_column type=”1_4″][et_pb_sidebar admin_label=”Sidebar” orientation=”right” background_layout=”light” area=”sidebar-1″ remove_border=”off”] [/et_pb_sidebar][/et_pb_column][/et_pb_section]

Please follow and like us:

اترك رد

Verified by MonsterInsights