حكــــاية ثــــورة (أو تعلّــــم يـــــا تـاريــــخ)

(لست أدري إن كان شعرا أو نثرا… ما كتبته هو حالة تعبيريّة قد لا تخضع لشكل ولكنها صادقة. وكما يقول توفيق بن بريك:قد تستطيع أن تسلب منّي حريتي، ولكن لا يمكن أن تمنعني من التعبير لأنه مرتبط بذاتي)

تعلّم يا تاريخ بعد أن باغتتك الأحداث
وافتح كتابك من جديد علّك تتدارك ما فات
سقط جدار برلين ولم تتحرّر فلسطين
وسجّلت فصولا عن الإرهاب منذ ذلك اليوم الحزين
ثمّ كأنك خلت زمن المفاجآت ولّى
وأصبحت متقاعدا ومتعاقدا مع الملل
واقتنعت بأن الثورات كانت ولن تكون
تمهّل، فلقد حصل ما لم يكن في الحسبان
وباغتتك من دون أن تدري ثورة كالبركان
ثورة اشتعلت في سيدي بوزيد المجيد
بعد أن احترق البوعزيزي المسيح
وتناثرت روحه في الفضاء الفسيح
ثمّ تجمّعت من جديد وعادت من بعيد
فتنفّثت في قلوب كلّ التونسيّين
في سرعة الشهاب المنير
أصبح في كلّ واحد منّا بوعزيزي يصرخ
وبدأ المدّ دون جزر يوما بعد يوم
من رفرفة فراشة ولد تسونامي الثورة
ظواهر التاريخ كظواهر الطّبيعة
مباغتة هي ولكنّ أسبابها عميقة
لم يرق الأمر للدّكتاتور واستاء من المجريات
تملّكه الغضب وخالنا نسينا بطشه
فذ كّرنا وهدّدنا وتوعّدنا…
“أيّها المواطنون، أيتها المواطنات
سوف نضرب على الأيادي العابثة بكل حزم،
نعم بكل حزم”.لقد فهمنا الرّسالة كلّ الفهم
قمع وضرب وقهر، ذلك من شيم الظّالمين
لكنّ حزمك لم يجد وانتفضت تالة والقصرين
فأرسلت قنّاصتك، زبانيّة الموت
يغتالون الأطفال والرجال والنساء والشيوخ
فرق الموت تقتّل في بني وطني من فوق السطوح
بكل جبن، امتدّت يد الغدر لتختطف الأرواح الطاهرة

وكان صمت العالم رهيبا ومريبا
صمت غريب لم نسمع به أبدا
لا عند اجتياح الفلوجة أو حصار غزّة
وفقدان بصر وبصيرة لم نرى مثله قطّ
ترقرقت الدموع في عيوني واحترقت جفوني
إن بلغ البطش ذروته فهي بداية النهاية، صدّقوني
سجّل يا تاريخ ملاحم تالة والقصرين
سجّل سكوت العالم المهين
وتعلّم يا تاريخ معنى الصبر والصمود
تعلّم من جديد، هنا والآن ماهيّة إرادة الشعوب

وعاد الدكتاتور مرة أخرى ليطلّ علينا من جديد
ويسرد لنا تهيّؤاته عن الملثّمين في القصرين
خرافة سيّئة الذوق عن الإرهاب والإرهابيين
ليشتري ذمم الرجال بالكذب والبهتان
بثلاث مائة ألف موطن رزق… يا له من هذيان
لم تتغيّر يا رجل التغيير ولم تتعلّم حتى بعد ربع قرن
فمقارباتك للأمور لم تتطورّ قيد أنملة
ترغيب وترهيب… وأنت تدير السجن الكبير
العصا والجزرة… وأنت تنهب المزرعة الكبرى
ولم تفهم مرة أخرى….. فزاد السّخط والغضب

ويتحرّك الشعب بجرأة في كل البلاد
لقد انخفض ضارب الخوف في معدّل الحياة
بل قل إنّ إلغاءه أصبح أمرا واردا جدّا
لقد ضاق الشعب بك وبعائلتك السعيدة ذرعا
فيما تراك فكّرت وأنت ترى الجماهير
تصرخ وتقول: “خبز وماء، بن علي لا”
علّك أدركت عندها أنك أصبحت لا تطاق
حتى “الخبزيست” الذي كان مستكينا
غدا يرفض معادلة الخنوع والمهانة
أما أنت، فلم تتفّطن وخيّرت الاستهانة
اليوم أنت وحيد في مأزق ضيّق جدّا
نبض قلبك متسارع، جبينك يزخّ عرقا
حركاتك مضطربة، إنّك تغرق، تغرق…
وفي لحظة يأس قرّرت أن تلعب ورقتك الأخيرة
هل هي مكاشفتك الأولى أم مناورتك الأخيرة ؟
ضلّلوك وخدعوك / وسوف يحاسبون
لا رئاسة مدى الحياة / وسوف يحاسبون
لجان لتقصّي الحقائق / وسوف يحاسبون
حريّة وديمقراطية، بالتّفصيل وبالجملة
في علب الطماطم وفي أكياس السكر
لقد حان وقت فتح الحنفيّة
لتتمتّعوا بالشفافية
في الصباح وفي المساء
وكذلك في العشيّة
…. وسوف يحاسبون ….
…علّك كنت صادقا
…علّك كنت خائفا
والصّدق والخوف لا يتعايشان
في قلب واحد وفي نفس الآن
فالصدق إرادة
والخوف اضطراب
لن تمرّ هذه المرّة
إما التّمترس أو الهروب
إنها النهاية فـ « DEGAGE »

فقدت السيطرة وتجاوزتك الأحداث
ولفظك الشعب وضاق بك ذرعا الوطن
وهكذا،  بعد أن كدّست الفلوس
وبعد أن كدّرت النّفوس
وبعد أن أطلقت أيادي اللصوص
تنهب في خيرات الوطن دون حبوس
هكذا لم يتبقّ لك سوى الفرار
وعلى جناح السرعة دون انتظار
استغربت هروبك المرتجل
علّك تخيّلت سيول الشعب تندفع
لتحاصرك وتقتلعك من أرض الوطن
علّك لم تنم والكوابيس تنهال عليك
صفّارة إنذار تصرخ في الطابق الرابع والعشرين
سفينة التّيتانيك تتهاوى في قلب البحر المنفجر
مشاهد تكررت في خيالك المضطرب
فتمكّنت من روحك ودفعتك للهرب

بلا مجاملة كنت رائعا يا شعب تونس
عبقري عندما صنعتك ثورتك
وأطحت بكل النظريّات
فلا جاذبية بعد اليوم
بعد أن انكسرت القيود
وأصبحنا كروّاد الفضاء
نستكشف زخم الحرية
ونداعبه بكل أريحيّة
ولا بقاء للأقوى بعد اليوم
فإرادة الحياة هي الأقوى
إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بدّ أن يستجيب القدر

ملاحظة ساقها لنا منذ سنوات
شاعرنا الكبير الصغير أولاد أحمد
مفادها أن “الريح آتية
وبيوتهم قشّ
والكف عالية
وزجاجهم هشّ
فلا تحزنوا أبدا
يا رفقتي أبدا
إن شرّدوا طيرا
يمضي له العش”
صحّت رؤياك يا شاعر تونس
فحرقت بيوتهم، وتكسّر زجاجهم
ولكن عاد الطير هذه المرة إلى عشّه
ولن يرحل أبدا، أبدا،… أبدا

19جانفي- 12 فيفري 2011

Please follow and like us:

اترك رد

Verified by MonsterInsights