شكري في العالم الآخر

[et_pb_section admin_label=”section” fullwidth=”off” specialty=”on”][et_pb_column type=”3_4″ specialty_columns=”3″][et_pb_row_inner admin_label=”row_inner”][et_pb_column_inner type=”4_4″ saved_specialty_column_type=”3_4″][et_pb_text admin_label=”النص”]

بقلم: وليد جعفر

cbعلى الساعة الثامنة صباحاً يستفيق شكري، ليحتسي قهوته، ويقرأ جرائد اليوم. هناك، في العالم الآخر  تبث الروح من جديد في كل إنسان  وهب روحه للوطن، للعدل، للمحبة والتسامح. هناك، صفوة البشرية تطل على عالمنا الغريب وتتساءل : ترى، هل ما فعلناه من أجلكم أثمر شيئاً ؟

 تخالج شكري عدة أحاسيس. شيء من الاطمئنان الحذر، زخات أمل يشوبها خوف من الآتي وكثير، كثير  من الألم والحسرة.

 “صباح الخير شكري، كيف هي الأحوال في وطننا العزيز ؟”، إنه الفاضل ساسي، “شهيد الخبزة”. هو الآخر في العالم الآخر. منذ أن التحق به شكري هناك، تغيرت حياة الفاضل. فهو لا يستطيع أن يبدأ يومه دون أن يعرج على شكري ليسأله بكل شغف عن حال البلاد والعباد.

“ربما لم تذهب دمائي هدراً، يا فاضل، ربما…”.

“هل أنت راضٍ على دستور الجمهورية الثانية،  كل الصحف تثني عليه يا شكري، أريد منك ما يشفي الغليل يا صديقي”

مازال شكري يتأمل، لم يبلور بعد رأياً واضحاً في المسألة، ثم أفرج عن بعض الكلمات ” عزيزي الفاضل، قد يكون دستور المتناقضات، قد لا يرتقي إلى ما كنا نتوق إليه؛ ولكنه يا فاضل دستور فيه نفس الحرية…”

———- ———- ——-

 يتهيأ شكري للخروج، اختار أحسن طقم عنده، سوّى شاربه على أحسن هيئة، ثم انطلق إلى موعده المهم.

في أعلى ربوة من العالم الآخر، بيت صغير يشرق بياضا، يطرق شكري الباب، ينتظر قليلاً …”تفضل” صوت جهوريٌ كله صفاء يأذن له بالدخول.

“أهلاً بشهيد الحرية…” بهذه الكلمات  استقبل أفلاطون شكري بالعيد.

“إنه لشرف عظيم أن أكون في حضرتكم يا معلم”

 في العالم الآخر،  يحظى أفلاطون بمرتبة سامية، فهو أبو المدينة الفاضلة المنشودة. أفلاطون لا يقابل كل مواطني العالم الآخر، بل هو يصطفي منهم أولئك الذين نذروا حياتهم من أجل غدٍ أفضل وساهموا فعليا في تغيير مسارات أوطانهم.يدقق أفلاطون بعمق حتى تتبين له ملاءمة الشرط الثاني. “لا تكفي التضحية لبناء المدينة الفاضلة، بل إن استتباعاتها هي الفيصل في تقييم ما قدمته”، هكذا يقول دائماً المعلم.

 بعد مرور أشهر  على حلول شكري بلعيد بالعالم الآخر، وبعيد إقرار الدستور الجديد للبلاد التونسية، قرر أفلاطون أن يستدعيه للقاء هام .

“اليوم أنت هنا لأتأكد من أهليتك للانضمام لمؤسسي المدينة الفاضلة المنشودة”.  وقف المعلم، سوّى طيلسانه ناصع البياض، ثم أغمض عينيه كأنه يستعجل مراداً ما وقال”يوماً ما يا شكري، سوف نعود إلى الدنيا التي غادرناها، عندها، عندها فقط أنا ومن اخترتهم كأصدقاء لأفلاطون، سوف نسعى بكل أمل وإيمان لتأسيس المدينة الفاضلة…”

في تلك اللحظات، نسي شكري آلامه وجراحه، حتماً سوف يكون الوطن وبسمة الحبيبة ونيروز وندى بناته وقرة عينه فخورين به أيما افتخار؛ إنه اليوم في حضرة المعلم أفلاطون…تباغته الذكريات، ذكريات قصر المؤتمرات  “أنتم اليوم في حضرة الجبهة الشعبية، ارفعوا رؤوسكم !” وتنزل دمعة حارة على خده.

“لقد قدمت حياتك قرباناً للمدينة الفاضلة ومبادئها، و الآن هل أنت راضٍ على مجريات الأمور  بوطنك تونس ؟ كيف هو دستوركم الجديد ؟”

 ماهية الجواب عن هذا السؤال، ستحدد قرار المعلم أفلاطون. إما أن يبقى شكري إلى الأبد بالعالم الآخر، وإما أن يعود في يومٍ ما إلى أرض الوطن ليكمل المسيرة ويستكمل ما بدأه قبل أن تغتاله يد الغدر.

 ” إن الرصاصة التي قتلتني، هي التي غيرت المسار في وطني العزيز، تلك الرصاصة جعلت مواطني المدينة يكتشفون هول المصيبة القادمة، عندها فقط تجلى لهم ما كانت تضمر من شر طيور الظلام لهذا الوطن. نهايتي كانت بداية لحظة وعي مفصلية، استفاق الناس من سباتهم؛ دمي أعاد أمامهم كل ما كنت أنبه إليه وأحذر منه. ثم تكثفت هذه اللحظة بعد أن سال دم شرفاء أبوا إلا أن يتصدوا لطيور الظلام. هكذا تراكمت النضالات والتضحيات لتسقط مشروع الرجعية وتغلب منطق الحكمة ونفس الحرية. وإن كان دستور تونس العزيزة الجديد لا يخلو من شوائب ومطبات، فإنه لن يشكل عائقاً أمام تأسيس المدينة الفاضلة. كنت ومازلت أحلم بوطن كالبستان تتفتح فيه ألف زهرة وزهرة حرة،  فيعمه شذًى فريد متعدد ومتجانس كله حب وأمل وتسامح. لقد تشبث حلمي بالوجود ولم يصبح يتيماً كما أراد له أعداء الحياة”

نظر المعلم أفلاطون لشكري بكل عمق، ثم سأله بنبرة صارمة “هل سيكون وطنك أرض عدل وعدالة، وما حال القضاء في دستوركم الجديد ؟”

  “لم يكن الأمر بالهين، فنفس الجماعة، التي تأبى أن يكون المواطن الفرد حراً حريةً كاملة دونما نقصان، بذلت قصارى جهدها لآخر اللحظات علها تجهز على فكرة القضاء المستقل وتحول دون تكريسها في الدستور.  ولكن في نهاية المطاف خاب سعيهم. يا معلم، وطني موعود بقضاء مستقل بفضل ما أسس له الدستور الجديد..و لكن…..”

 ” ولكن ماذا يا شكري ؟”

 “لن تستسلم طيور الظلام  يا معلم، وسوف تسعى إلى الالتفاف على المكاسب، لكن إيماني كبير بوطني وبقواه الحية…لن يمروا يا معلم”

انشرح أفلاطون،  أشرق وجهه ثم قال ” لذلك يا شكري سوف نعود معاً لنستكمل المسيرة ونؤسس المدينة الفاضلة “

ترقرقت عينا شكري بدموع الفرح، و انبرت شفتاه ترددان ترنيمة العودة الفيروزية :

” سنرجع يوماً إلى حينا

 سنرجع مهما يمر الزمان

وتنأى المسافات ما بيننا “

يتبع…ربما غداً، ربما بعد سنة، ربما بعد ألف سنة….

[/et_pb_text][/et_pb_column_inner][/et_pb_row_inner][/et_pb_column][et_pb_column type=”1_4″][et_pb_sidebar admin_label=”Sidebar” orientation=”right” background_layout=”light” area=”sidebar-1″ remove_border=”off”] [/et_pb_sidebar][/et_pb_column][/et_pb_section]

Please follow and like us:

اترك رد

Verified by MonsterInsights