ترفعوا أرجوكم… فقد مللنا شجاعتكم الوهمية

بقلم: وجدان المقراني

 

blackbook
إن الثورة لا تعني تحقيق الديمقراطية بصورة تلقائية، كما أن إسقاط نظام سياسي ديكتاتوري لا يعني محو الاستبداد بصفة نهائية.

مضت ثلاثة سنوات على تاريخ ثورة الرابع عشر من جانفي، ظهرت فيهم جميع أنواع الانفلاتات، الجميع أصبح يطالب بحقوقه التي حرم منها طوال عقود عديدة، الجميع أصبح ينتقد المسؤولين السياسيين الجميع يتحدث في السياسة …

ثلاث سنوات من الغليان في صفوف السياسيين، ومن الغليان في صفوف عامة الشعب ولكن لاشيء غير الغليان…

وفجأة ودون سابق إعلان، يطل علينا الكتاب الأسود حاملا معه خفايا وخبايا المنظومة الإعلامية في فترة حكم الرئيس السابق، إعلاميين وصحافيين وجامعيين وأصحاب مؤسسات إعلامية  وحتى رياضيين وجهت إليهم اتهامات كالتخابر وكتابة التقارير، بتلميع صورة الرئيس السابق أو بمجابهة المعارضين مقابل هبات ومنح يحصلون عليهم مقابل مجهوداتهم …

وقد أثار الكتاب الأسود الذي تم تسريبه على مواقع التواصل الاجتماعي جدلا واسعا، فاختلفت وجهات النظر بين مؤيد  ورافض لنشر هذا الكتاب، ولكل حججه  لتبرير موقفه بين من اعتبر أن الكتاب سيساهم بالدفع نحو الإسراع بكشف الحقائق بشان الانتهاكات التي حصلت في النظام السابق، ولا يمكن أن تحصل مصالحة دون أن تكون هناك محاسبة. ومن حق الشعب أن يطلع على الأسماء التي كانت تغالطه طوال فترة حكم النظام السابق.

وبالنسبة  لمعارضي إصدار الكتاب الأسود فإنهم يعتبرونه آلية للتشويه والابتزاز، إذ تعتبر الأحزاب المعارضة أن الرئيس المرزوقي يقوم بحملة انتخابية مبكرة وتم اتهامه بأن الغاية من إصدار الكتاب هي الانتقام.

 إن أهم دور لعبه الكتاب الأسود يكمن في الكشف على نوعية ردود أفعال الذين ذكر إسمهم في الكتاب،  ولعلها أهم بكثير من ما نشر في الكتاب، فمنهم من اختار رفع دعاوى ضد الرئيس المرزوقي ومنهم من اختار شتم الرئيس بطريقة خالية من الاحترام… وكانت الدكتورة ألفة يوسف سباقة في الرد على صفحتها على شبكة التواصل الاجتماعي قائلة ’’  أن تكون مجنونا، فهذا أمر نعرفه جميعا وإن أخفاه المختصون أن تكون مضطربا خائفا على منصبه الوهمي، فهذا أمر نعرفه جميعا، ويكفي أن نراك تلعق أحذية الإسلاميين لنفهمه…أن تكون بيوعا أب عن جد…و لكنك اليوم نكتشف انك كاذب…. فيا ليتني لمعت صورة بن علي لأنه مهما تكن أخطاؤه أرجل منك ألف مرة… ’’

هكذا عبرت الجامعية ألفة يوسف عن موقفها …لعل الكثيرين لم يزعجهم أن يجدوا إسمها مذكورا في الكتاب الأسود، ولكن أزعجهم  ذلك المستوى غير اللائق الذي انحدرت إليه، لان الحديث عن الأكثر رجولة والأقل رجولة لا يليق بمقام دكتورة… فالفضل يعود  للثورة  لأنها حررت الألسنة وفسحت المجال أمام الجميع لينقد ويعبر عن موقفه  بحرية، و لم يعد انتقاد الرئيس أمرا بطوليا  …ولكن شتان بين النقد وبين السب والشتم فلا يوجد ما يدعو لاستعمال الألفاظ البذيئة…فلا يوجد أي وجه للمقارنة بين نظام استبدادي مهما كانت نجاحاته وبين نظام ديمقراطي مهما كانت إخفاقاته…

ولا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للإعلامي لطفي العماري إذ يكتب على صفحته على شبكة التواصل الاجتماعي ’’عدت من فرنسا فوجدت الدنيا مقلوبة بسبب كتاب في لون صاحبه..لم اسأل كم فيه من صفحة..بل سالت كم كلف كاتبه من قارورة  ؟’’.

ولكن ألا يوجد أسلوب أخر أفضل في انتقاء كلمات النقد ؟  أ لهذه الدرجة شحت لغتنا العربية فلم تقدروا على إيجاد كلمات أكثر ترفّعا  ؟؟ ومادمتم مقتنعين بأنكم لم تتورطوا في منظومة الدعاية في فترة حكم بن علي، فلماذا كل هذا التشنج والغيظ في احتجاجكم على وجود أسمائكم ؟ كان يرجى أن تكون ردات الفعل أكثر رصانة كالمطالبة  مثلا بالحفاظ على الأرشيف واستعماله في الوقت المناسب مع ضمان كل شروط الشفافية، ولتوفير الضمانات للأسماء الواردة فيه للدفاع عن نفسها، كاعتبار أن هذا الكتاب يأتي خارج مسار العدالة الانتقالية المتعلق بالمحاسبة، ولكنكم اخترتم البذاءة .فترفعوا أرجوكم، لم نلمكم يوما ولم نسأل لماذا لم نر هذه الجرأة والشجاعة في نقد الرئيس السابق فكفوا أرجوكم على توهم الشجاعة في نقد الرئيس الحالي…

Please follow and like us:
2 Comments

اترك رد

Verified by MonsterInsights